معايير علمية النظريات العلمية:
معيار التحقق التجريبي - معيار القابلية للتكذيب - معيار التماسك المنطقي
التأطير الإشكالي:
لقد
استطاع العلماء صياغة نظريات نطلق عليها تسمية النظريات العلمية، كنظرية النسبية
لأينشتاين، ونظرية النشوء والإرتقاء
لتشارلز داروين هذه النظريات وغيرها ندعوها بالنظريات
العلمية. لكن بما أن التفكير الفلسفي هو تفكير تساؤلي، فلابد من مساءلة هاته الصفة
التي تتصف بها النظريات. اي لابد من التساؤل عن معايير علمية النظريات العلمية.
إذن، ما الذي تشترك فيه النظريات ويجعلها نظريات علمية؟ ما معايير علمية النظرية
العلمية؟ وما مقاييس صدقها وصلاحيتها؟ هل معيار علمية وصدق وصلاحية نظرية علمية ما
هو تماسكها المنطقي، أم تطابقها مع الواقع، أم أن المعيار يتجاوز ذلك؟
معيار التحقق التجريبي: موقف الوضعية المنطقية ( من
أعلامها رودولف كارناب)
يرى
أنصار هذا الموقف بأن المعيار الوحيد للتأكد من صدق وصلاحية وعلمية النظريات
العلمية هو معيار التحقق التجريبي. فبالنسبة لأنصار الوضعية المنطقية فالنظرية
العلمية ليست سوى تمثيل صوري لمعطيات
مادية ، أي أنها نسق من القضايا العلمية التي يقابل كل منها واقعة مادية جزئية،
وكل نظرية تتضمن قضايا لا يقابلها أي شيء في الواقع فهي ليست بنظرية علمية وإنما
هي مجرد قول ميتافيزيقي لا معنى له. وأول خطوة ينبغي القيام بها للتأكد من صدق
وعلمية وصلاحية نظرية ما –في نظر أنصار الحركة-
هي أن قوم بفحص عباراتها للتأكد من أنها جميعها تتوفر على معنى، أي التأكد
من أن كل عنصر له مقابله في الواقع.
ولتوضيح
الوقف يمكن أن نقدم مثالا لقول لا يعتبر قولا علمية، ولا ينتمي للنظرية علمية. وه
قول هيجل: "رأيت روح العصر يمتطي جوادا". هذا القول ليس قولا
علميا لأنه يتضمن عبارة لا مقابل لها في الواقع وهي عبارة "الروح". لذلك
فأنصار الوضعية المنطقية تعتبر هذا القول قولا ميتافيزيقيا لا معنى له.
معيار القابلية للتكذيب: موقف كارل بوبر
يؤكد
الفيلسوف الإنجليزي كارل بوبر أن مبدأ
التحقق التجريبي غير قابل للتحقق بشكل كلي وإنما بشكل جزئي فقط، فهو محدود بالمكان
والزمان. فلا يمكن أن نتحقق مثلا بأن كل البجع أبيض في كل زمان وفي كل مكان، وأن
كل الأجسام في كل مكان وكل زمان تسقط بنفس السرعة في الفراغ. مؤكدا على قوله بنفي
القدرة على تغطية كل نقاط الزمان والمكان بالملاحظة والتجربة. وبالتالي فالنظريات
التي يقول عنها أنصار الوضعية المنطقية بأنها علمية ، هي علمية بشكل نسبي أي حتى
يتم تفنيدها.
لذلك
يؤكد كارل بوبر على أن القابلية للتكذيب هو معيار علمية وصدق وصلاحية النظريات
العلمية، وليس القابلية للتحقق التجريبي. معنى ذلك أنه لابد من مواجهة النظرية بما
يمكن أن يكذبها ويبين عيوبها، وليس بما يؤكدها. وهذا سيؤدي إلى تقدم العلم.
يقول
بوبر: إن معيار القابلية للتفنيد أو القابلية للتكذيب يمكن أن نطلق عليه معيار
القابلية للإختبار ، ذلك أن اختبار نظرية ما تماما كاختبار جزء من آلة ميكانيكية
يعني محاولة تبيين العيب فيها".
معيار التماسك المنطقي – موقف ألبرت إينشتاين
يتأسس
موقف إنشتاين على نقد معياري القابلية للتزييف والقابلية للتكذيب. فهذين المعيارين
لا يستطيعان استيعاب كل النظريات العلمية، ولا يمكن استخدامهما إلا بخصوص النظريات
التي تفسر الوقائع الصلبة والمحسوسة والملموسة. غير أنه مع القرن العشرين تغير
مفهوم الواقع، مع ظهور ظواهر ميكروفيزيائية كالإلكترونات والبروتونات، فأصبح
ينظر إلى الواقع باعتباره واقعا رياضيا
وليس محسوسا، معقولا وليس ماديا، مبنيا ومبرهنا عليه وليس معطى ومسلم به. ليصبح
الواقع صورة للنظرية وليس العكس.
لذلك
يؤكد بعض العلماء والإبستمولوجيون الذين من بينهم أينشتاين أن علمية وصلاحية وصدق
النظريات العلمية ، ليس قابليتها للتحقق منها تجريبيا أو قابليتها للتفنيد، ,إنما
تماسكها الداخلي ، أي أن تكون عناصرها مشتقة من بعضها البعض عن طريق الإستنباط
العقلي.
0 تعليقات