عبدالله بخبيش - "الإنسان
في مواجهة قبح العالم"
نسكن عالم تملؤه القذارة والقبح والخراب، عالم يفتقر إلى الحياة، عالم يدفعك للعيش في حالة انفصال دائم عنه، وأن تعمل على انتشال
نفسك مستنقعاته وقذارته، حيث كل شيء
فيه يدعوك إلى الإنحطاط والفراغ والبؤس، لاشيء فيه يدعوا إلى التفاؤل. عالم يحاصرنا بجدران عنيفة وحراس يراقبونك في أدق تفاصيلك، ويقررون في مصيرك وهويتك والملامح التي ينبغي أن تحملها. كل شيء تحت وصايتهم:
عقلك وخيالك وجسدك، بل حتى أعضاءك التناسلية هم من يقررون في شكل إستعمالها، عالم يكافح
لجعلك أن تكون كل شيء، إلا أن تكون أنت كما تختار ذلك. حراس وجدران العالم قد تكونها
نظم سياسية أو دينية أخلاقوية أو إقتصادية عتيقة، تشترك كلها
في الشمولية وتتفق كلها على مسخ الإنسان وتحويله إلى حيوان دون أن يكون فردا
حرا، لذلك فالإنسان كائن يحيا في صراعات دائمة ومختلفة في
وجوده. و لكي يحيا ينبغي عليه أن يستمر في مقاومة كل هذه الجدران من الموت والظلام التي يمكن أن تقتل فيه الحياة وتحوله إلى مجرد تفاهة تنحدر إلى الهاوية.
الإنسان يقاوم أنظمة الشر بكل ألوانها وأنواعها التي تحاول مسخه بل و سحقه، يقاوم تفاهة
الوضع البشري ويقاوم ضجر الحياة وبؤسها، أشكال المقاومة مختلفة عند الإنسان؛ هناك من يقاوم بالجسد وهناك من يقاوم بالفن والأدب أو الخيال
...، الأهم هو تفجير فكرة الرفض عند الإنسان في وجه القبح والبشاعة. أجدني أقف هنا
عند ما قاله الروائي العالمي إرنست همنغواي في رائعته الخالدة "رواية العجوز والبحر"،
حيث يقول: "قد ينكسر الإنسان لكنه لا ينهزم ". إذ لا أحد بمقدوره أن يهزم
الإنسان سوى الموت، لذلك فإن روح كل إبداع بشري من عمل فني أو جمالي
أو أدبي أو فكري هو في الآخير رفض ومقاومة لقبح العالم ولبؤسه، فالإنسان الحكيم من يخوض معركة
من أجل تحرير الوجود من كل أشكال المسخ بدءا من وجوده نفسه، فتحرير كينونة الإنسان من القبح
والتفاهة جزء من تحرير الوجود البشري
من القبح .
0 تعليقات