تحليل سؤال إشكالي: إلىى أي حد يكون تجاوز التجربة ضرورة ايبستيمولوجية لتطور العلم؟ إنجاز التلميذة ياسمين سكاس تحت إشراف الأستاذ مراد الكديوى

المديرية الإقليمية: فاس.

المؤسسة: مجموعة مدارس ماجلان.

إنجاز التلميذة: ياسمين سكاس.           

   تحت إشراف: الأستاذ مراد الكديوى.

قسم: الثانية بكالوريا علوم رياضية.

نموذج تطبيقي:

v     إلى أي حد يكون تجاوز التجربة ضرورة ايبستيمولوجية لتطور العلم؟

حلل وناقش.

                                                لم يكن لإستقلال العلوم عن الفلسفة أن يثني العلوم عن الخوض في تلك الإشكالات الإيبستيمولوجية ذات الخلفية الفلسفية. على الأقل تلك المتعلقة بأصل المعرفة وأساسها كما هو الحال في الفلسفة الحديثة. إلا أن ما فرض إعادة طرح هذا الإشكال من داخل العلم هو طبيعة موضوعه بين ما هو تجريبي وما هو خيالي، وتطوره من حيث الثورات العلمية المتلاحقة خصوصا في مجال الفيزياء عبر الإنتقال من الفيزياء الكلاسيكية التي كانت تصور الواقع بصورة بسيطة-مادية يشكل التجريب قوام صدق نتائجها إلى الفيزياء المعاصرة التي جعلت من التماسك المنطقي بين المنطلقات والنتائج أساسا لها نتيجة عجز التجربة في ملاحقة موضوعها المعقد، والغير القابل للملاحظة بالنظر لطبيعته المتناهية في الصغر. وهكذا قد يعد تجاوز التجربة عند البعض ضرورة ايبستيمولوجية لإستمرارية العلم، كما قد يعتبر عند البعض الآخر غير ضروري نظرا لأن التجربة ذات طبيعة اختبارية توصل إلى اليقين. ولعل هذه السياقات الإيبستيمولوجية هي التي تشكل المجال الإشكالي لمجزوءة المعرفة. خصوصا فيما يتعلق بأساس المعرفة العلمية (التجربة؛ النظرية) ومن تم يمكن العرض للإشكالات التالية:

¨      على ماذا تتأسس المعرفة العلمية؟ هل على التجربة من حيث معناها الإختباري أم على التجريب الذهني المنفتح على الخيال والإفتراض؟

¨      إلى أي حد يمكن القول بـأن تجاوز التجربة ضرورة ايبستسمولوجية من أجل تطور العلم؟

¨      إذا كان الأمر كذلك أليس التخلي عن التجربة هو تحليق في سماء الميتافزيقا؟

يحيل السؤال على افتراض أساسي يتضمن أطروحة مفاذها أن تجاوز التجربة ضرورة ايبستيمولوجية لتطور العلم، ذلك أن التجربة تحصر العلم في حدود ما هو مادي وملموس. وعليه تكون التجربة عائقا ايبستيمولوجيا أمام قيام نظرية علمية حقيقية. ولعل بناء هذا التصور لم يكن ليتم دون العودة إلى المفاهيم التي تشكل النسيج الداخلي للسؤال. فالتجربة كمفهوم تشير لتلك الإجراءات المخبرية التي تسعى إلى التحقق من الفرضية عبر إعادة إحداث الظاهرة ضمن شروط يصطنعها العالم بغية إنشاء الحادث العلمي، إلا أنها باقتصارها على دراسة الظواهر القابلة للملاحظة تهدد وتعرقل تطور العلم الذي هو مجال للمعرفة اليقينية المبنية على شكل نظريات علمية، بل والأكثر من ذلك قد تعد التجربة المادية قتلا لروح العلم وهو ما يفرض أن تكون للعلم طبيعة افتراضية وخيالية تساير وتواكب تطوراته. وبالتالي فإن الإعتماد على التجربة وحدها يعني وضع حد لتطور العلم وإعلان نهايته، إن قولا كهذا يجد مشروعيته النظرية عند دراسة الأجسام المتناهية في الصغر كالإلكترونات مثلا، بحيث يستحيل قياس سرعتها بالإعتماد على المنهج التجريبي الشيىء الذي يستدعي إضافة عنصر الخيال والإنفتاح على ما هو افتراضي من اجل مواكبة تطورات العلم. ولعل ذلك ما يجد تعبيره في قول الفرنسي "روني طوم": "إن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما. ففي جميع الأحوال، يجب إكمال الواقعي بالخيالي". ويمكن التدليل أيضا على المشروعية المنطقية لتجاوز التجربة في ذلك السند الإيبستيمولوجي القائم على التقابل بين الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء المعاصرة، إذ أن الأولى تؤسس على التجربة وتنطلق من الواقع ومن كل ما هو تجريبي ومادي. أما الثانية فتعتمد المنهج الأكسيوماتيكي (الفرضي- الإستنتاجي) وترتكز على ما هو قائم في الإفتراض والخيال الذي يتم على مستوى الذهن. وفي نفس المنحى أبرز "البرت اينشتاين" أن النسق النظري في الفيزياء يتألف من مفاهيم وقوانين أساسية هي إبداعات حرة للعقل البشري. وأن العقل العلمي كفيل بإنشاء النظرية العلمية.

نستشف مما سبق، أن تقدم المعرفة العلمية غير ممكن إلا بإعلان طلاق صريح مع التجربة لكونها محدودة ومحدوديتها هذه تعيق كل تطور ممكن للمعرفة العلمية خصوصا إذا ما نظرنا للعلم المعاصر الذي يبقى في كليته ذو طابع افتراضي. لذا فإن الإصرار على التجربة هو رفض لكل ما هو معاصر بدءا من النظرية النسبية مرورا بميكانيكا الكم ووصولا إلى نظرية العوالم الممكنة.

                               تتجلى القيمة الفلسفية للأطروحة المتضمنة في السؤال في كونها تفتح إمكانات جديدة أمام تطور المعرفة العلمية وتتجاوز محدودية التجرية في تأسيس العلم. ضمن هذا السياق نجد التصور الإيبستيمولوجي ل"روني طوم" الذي يذهب إلى الإقرار بأن التجربة بمعناها الكلاسيكي عاجزة عن بناء المعرفة العلمية، لأنها محدودة بحدود الظواهر الطبيعية خصوصا مع تطور مفهوم الواقع في الفيزياء المعاصرة الذي تعذر معه إقامة التجربة بالنظر لطبيعته اللامادية مما جعل تجاوز التجربة المادية المخبرية ضرورة ايبستيمولوجية من أجل تطور العلم. لذا فإن المعرفة العلمية تقتضي إكمال الواقعي بالخيالي والإفتراضي. إلا أن القيمة الفلسفية لهذه الأطروحة لا تحجب حدودها التي تجعلها قابلة للتجاوز، وتتمثل بالأساس في غياب الموضوعية، ذلك أن ذات الباحث تصبح فاعلة في إعادة تشكيل الواقعة العلمية عبر مجموع افتراضاتها الذهنية. كما تكتسب المعرفة العلمية طابعا مجردا يجعلها تقترب من الميتافيزيقا نظرا للإنفصال التام عن الواقع المادي. ولعل هذه العناصر هي ما عرض لها "كلود برنار" حينما جعل من التجريب العلمي القائم على الإختبار المادي الأساس المنهجي للصياغة العلمية للظواهر الطبيعية. فبالرغم من إسهام الفرضيات في توجيه التجربة إلا أنها تبقى بدون قيمة ما لم يؤكد التجريب صحتها. وعليه تكون التجربة عند كلود برنار المنطلق المنهجي للمعرفة العلمية. وعموما نستطيع القول أن المعرفة العلمية لا يمكنها أن تكون كذلك إلا إذا جعت من التجربة منطلقا لها، وهو ما توضحه الفيزياء الكلاسيكية باعتبارها فيزياء تجريبية بحكم طبيعة موضوعها المادي الملموس. ومن تم فغياب التجربة هو غياب للمعرفة العلمية، إلا أنها تطرح مجموعة من الإشكالات على مستوى الفيزياء المعاصرة كونها تشتغل على ماهو افتراضي. وهكذا نستنتج ان هذا التعارض بين التصورين يبقى قائما ما دام أساس المعرفة العلمية يختلف بحسب طبيعة موضوع العلم.

                                               خلاصة القول أن تطور المعرفة العلمية في القرن العشرين على مستوى العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفيزياء بالإنتقال من التصور المادي للواقع إلى تصور افتراضي هو معطى كشف عن العمق الإشكالي المرتبط بماهية وحد العلم بين كونه يستند على التجربة بمعناها الكلاسيكي المتجذرة في المنهج التجريبي، وبين التجربة الذهنية المنفتحة على الإفتراض والخيال بالنظر لطبيعة الموضوع. الشيىء الذي فرض إعادة النظر في التجريب العلمي والبث في صلاحية التجربة كأساس للمعرفة العلمية من جهة أخرى مما سيحدث ثورة في تصورنا للحقيقة العلمية بين خصائص اليقين والنسبية.