تحليل سؤال إشكالي : إلى أي حد يمكننا القول أن التجربة المادية قتل لروح العلم؟ إنجاز التلميذة :عواطف ليلاني، تحت إشراف الأستاذ: مراد الكديوى

فيلوكلوب فبراير 09, 2019 مارس 14, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


المديرية الإقليمية: فاس.
المؤسسة: ثانوية مولاي ادريس التأهيلية.

إنجاز التلميذة: عواطف ليلاني.              تحت إشراف: الأستاذ مراد الكديوى.
قسم: الثانية بكالوريا علوم فيزيائية دولية 2

نموذج تطبيقي:

    v  إلى أي حد يمكننا القول أن التجربة المادية قتل لروح العلم؟
                                                                                                                     حلل وناقش.

ينظر للإنسان في بعده الذاتي كشخص، وفي بعده العلائقي يرتبط بالغير في سياق زمني محدد، إلا أن هذا الإنسان لا يكتفي بالحضور في هذا العالم كذلت واعية ومتفاعلة مع الآخرين فحسب، بل يسعى لفهم الظواهر المتنوعة سواء أكانت طبيعية أو إنسانية وهذا ما يجعلنا نتحدث عن فعالية متميزة ألا وهي فعالية المعرفة، وهو الأمر الذي يعني أن الوجود الإنساني كوجود معرفي ايبستمولوجي يتأسس على نشاط عقلي يحاول الإنسان من خلاله بناء معرفة علمية موضوعية حول هذا العالم الطبيعي الفيزيائي اعتمادا على نظريات ومناهج علمية كالتجربة. وعليه يمكننا تأطير سؤالنا ضمن السياق الإيبستيمولوجي لمجزوءة المعرفة التي تعرض لإشكالات المعرفة العلمية خصوصا تلك التي تتعلق بالعلوم الطبيعية وسؤال الأساس فيها بين ماهو عقلي وبين ماهو واقعي. هذا الصراع يجد حضوره حتى من داخل التجربة نفسها كعلامة مميزة للعلوم التجريبية كونها تتأسس تارة على عناصر مادية اختبارية وتارة أخرى على عناصر ذهنية افتراضية. ومن هنا يمكننا طرح الإشكالات التالية:
¨     ما هي طبيعة التجربة العلمية؟ هل هي تجربة مادية تتأسس على الواقع أم تجربة ذهنية تتأسس على الإفتراض والخيال؟
¨     هل التجربة المادية من خلال عناصر الدقة والموضوعية تستطيع تطوير العلم أم أنها بمحدوديتها تؤدي لنهايته؟
¨     كيف يمكن للتجربة المادية قتل روح العلم؟ وإلى أي حد يكون الإنفتاح على التجريب الذهني البديل المنهجي للعلم من أجل إحياء روحه؟
يتضمن السؤال تصريحا ضمنيا بأن التجربة المادية تعمل على قتل روح العلم، وهو قول يبدو إلى حد ما منطقيا ومشروعا بالنظر إلى تطور الأفكار العلمية وانتقالها من سياق كلاسيكي (مادي) إلى سياق معاصر (عقلي وافتراضي). فالتجربة وحدها غير كافية في بناء العلم وتقدم المعرفة العلمية كونها تبقى محدودة، لأننا إذا اعتمدنا على التجربة المادية فقط سنحصر العلم في كل ما هو واضح وبسيط أي في عناصره المادية المرئية التي تخضع للتجريب، وبالتالي سيقف العلم عاجز عن النفاذ إلى حقيقة الظواهر الغير القابلة للملاحظة مثل تلك التي تعرض لها الفيزياء النظرية المعاصرة كتلك التي تتعلق بالجسيمات المتناهية في الصغر (مثل عالم الذرات والإلكترون، البروتون، النترون، سرعة الضوء...) فكل هذه المستجدات العلمية إذا ما تم التمسك بحبل التجربة المادية لإستنطاقها فكأنما نقوم بتنفيذ إعدام صريح للعلم ونقضي على مستقبله، وبالتالي قتل الفضول المعرفي للذات الإنسانية. من هنا نخلص أن العالم يجب أن ينفتح على التجربة الذهنية العقلية لبناء القانون العلمي كلما تعذر التجريب. إن هذا الحوار الجدلي بين ماهو تجريبي-مادي وبين ماهو ذهني عقلي_ افتراضي داخل التجربة العلمية تفرضه الطبيعة الإيبستيمولوجية لتطور العلم. وهو الأمر الذي يمكن توضيحه بالعودة إلى المادة المفاهيمية للسؤال. فالعلم هو عبارة عن فاعلية انسانية محكوم بالتقدم والتطور، كونه قائم على النفي الدائم لذاته من أجل تجاوز عوائقه وأخطائه بغبة التقدم نحو غايته. ومن أجل ذلك يتوسل بمجموعة من الأدوات العلمية المنهجية كالتجربة المادية التي تحيل على ممارسة عملية يصطنعها العالم بناءا على مجموعة من الملاحظات والفرضيات التي تمكنه من استخلاص القانون الذي يحكم الظاهرة. هذا بالإضافة إلى كونها تتضمن الموضوعية كونها لا تقوم على تدخل الذات الباحثة. إن هذا المدلول العلمي للتجربة المادية يتناسب مع صورة العلم وشكله كونها تؤسس لمعرفة علمية موضوعية ولعل هذا ما يميز العلم. إلا أنه خلف هذا التناسب الشكلي يقف التعارض الجوهري بين التجربة المادية وروح العلم، فالأولى لا تؤمن إلا بما هو مادي في حين أن الثاني منفتح على كل ما يمكن أن يثري روحه المتمثلة في الإبداع والتقدم. ومن تم يكون حصر العلم ضمن الحدود المادية للتجربة إعلان لتوقف العلم.
نستشف مما سبق أن التجربة المادية بالرغم من المكانة التي تمتعت بها في تاريخ الأفكار العلمية. إلا أن الإصرار على جعلها المرشد الوحيد للعلم في استنطاق قوانين الطبيعة  سيقود حتما إلى توقف العلم نظرا للعجز الحاصل فيها نتيجة الإعتماد على العناصر المادية المستمدة من الواقع والتي تغفل الظواهر الغير القابلة للتجريب.
يقودنا التحليل إلى ضرورة الإقرار بالتعارض المنطقي بين التجربة المادية وروح العلم، وهو أمر لا يمكن توضيحه إلا بالعرض للقيمة الفلسفية للأطروحة والتي تبرز أن التجريب المادي وحده غير كاف في الحفاظ على استمرارية العلم وتقدمه مما يوجب ضرورة الإتجاه نحو التجريب الذهني لإعادة صياغة الوقائع العلمية كلمل تعذر التجريب والملاحظة المباشرة لموضوعات الفيزياء المعاصرة. ولعل هذا ما أكده "روني طوم" الذي انتقد التصور الكلاسيكي للتجريب مبرزا عجزه عن مواصلة البحث عن علل الظواهر إذ يصبح بدون أفق في غياب الإفتراض النظري، لذا وجب الإنفتاح على ما هو افتراضي خيالي والعمل على إكمال كل ما هو واقعي بالعناصر الخيالية والذهنية. وإذا ما نحن توجهنا بعيدا عن قيمة هذه الأطروحة. فلا يمكننا بأي شكل من الأشكال عدم الكشف عن حدودها. فرغم كل هذه التطورات العلمية ساهمت التجربة المادية في بناء المعرفة العلمية خاصة في مرحلة معينة من مراحل تطور الفكر العلمي، حيث تجاوزت التصورات اللاعلمية للواقع متعاملة مع مختلف الظواهر الطبيعية تعاملا موضوعيا. هذه العناصر هي ما يحاول "كلود برنار" إيضاحها حينما ينطلق من اعتبار المنهج التجريبي أداة أساسية لدراسة الظواهر العلمية ومعرفة القوانين المتحكمة فيها. لذا يجعل من التجربة وحكمها الأساس الاول والأخير لإعلان قيام النظرية العلمية من عدمها. فبالرغم مما تكتسيه الفرضية من أهمية في توجيه التجربة إلا انها تبقى بدون معنى ما لم تؤكدها التجربة.
عموما يمكن القول أن هذا الصراع النظري داخل حقل التجريب العلمي بين التجريب المادي والتجريب الذهني يجد اختلافه ضمن المنطلقات النظرية عند كل من "كلود برنار" و"روني طوم" ففي الوقت الذي يراهن الأول على الصيغة المادية للتجريب. يكشف الثاني عن محدوديته متخطيا إياه بالتجريب الذهني. ومرد ذلك إلى اختلاف السياق الإيبستيمولوجي للمعرفة العلمية عند كليهما ففي الوقت الذي يؤسس "برنار" تصوره من داخل العلم الكلاسيكي. يبني الثاني أطروحته بالعودة للتغيرات العميقة التي طرأت على العلم المعاصر. حيث يبدو أن هم الأول كان هو تحصيل معرفة علمية دقيقة بكل ما تتضمنه هذه الأخيرة من عناصر الموضوعية والواقعية، لذا كان التجريب المادي هو السبيل الوحيد لذلك. بينما انصب اهتمام الثاني بمحاولة تكييف التجريب العلمي مع تطور العلم لكي لا يتوقف هذا الأخير.
يلزم القول أن الصراع بين التجريب الذهني والمادي محكوم بمفارقة الغايات عند كلا النموذجين الفلسفين. فالأول كانت غايته العلمية لذا حارب التجريد في العلم بالتجريب المادي. بينما الثاني لم يعد يأبه للعلمية كون العلم المعاصر كشف عن نسبية حقائقه وقوانينه لذا سارع إلى محاولة فتح أفق جديدة أمام العلم لا محاولة التشبت بالموضوعية الكلاسيكية.
خلاصة القول أن تحديد طبيعة التجربة العلمية بين ما هو مادي وبين ما هو ذهني خيالي. وأيهما أكثر ملاءمة لروح العلم محكوم بعنصر أساسي هو تطور العلم. ففي القرن العشرين تم الإنتقال من تصور مادي ملموس إلى تصور افتراضي. وهو أمر كشف العمق الإيبستيمولوجي المرتبط بهوية العلم. بين كونه علم تجريبي يستند على التجربة بمعناها الكلاسيكي، وبين كونه معطى نظري يتعلق بالإفتراض. الشيىء الذي فرض إعادة النظر في طبيعة التجريب العلمي من جهة، والبث في صلاحية التجربة كأساس المعرفة العلمية من جهة أخرى. بحيث يتأسس العلم على التجريب في صورته الذهنية والخيالية من أجل الحفاظ على روحه وتقدمه. حتى وإن اقترب من التجريد الذي تم رفضه سابقا. إن هذا الإنزياح لا يعبر عن إقصاء التجربة بقدر ما يعبر عن إعادة ترتيب العلاقة بين التجربة والنظرية (العقل) عبر سؤال الأولوية. فمن أين يبدأ العلم وبماذا ينتهي؟

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/