محمد غنام : ثقافة المقاومة في مواجهة العولمة

فيلوكلوب أبريل 12, 2019 أبريل 12, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A



أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي، مسلك الفلسفة والعلوم الإنسانية. حاصل على  شهادة الماستر ـ تخصص الفلسفة العملية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز ـ فـــــــاس.






ثقافة المقاومة في مواجهة العولمة محمد غنام

في معنى العولمة و عمقها الأمريكي؛
لم يكن قول المفكر الأمريكي-الياباني الأصل-فوكو ياما بنهاية التاريخ، قول يدل فقط على نهاية الحرب الباردة بسقوط المعسكر الشرقي و تسيد المعسكر الغربي للعالم، بل هو قول يتضمن في عمقه اعترافا صريحا بقولبة الجغرافيا السياسية كلية على المقاس الإستعماري الجديد، والذي سمي بالعولمة(1).
و ليست العولمة كنظام، وليدة لحظة تاريخية اتسمت بمواجهة الأنظمة الرأسمالية لليسار الإشتراكي، بل هي؛ نظام له جدور تاريخية و اجتماعية عريقة في المجتمعات الأنكلوسكسونية، لكنها لم تنكشف بوضوح إلا ما بعد الإستعمار، و "ما بعد" في مثل هذه التعابير لا يعني القطيعة مع "ما قبل"، بل يعني الإستمرارية فيه بصورة جديدة(2).
و العولمة ترجمة لكلمة (mondialisation) الفرنسية و التي تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من المحدود المراقب إلى اللامحدود الذي ينأى عن كل مراقبة. والمحدود هنا هو أساس الدولة القومية التي تتميز بحدود جغرافية و بمراقبة صارمة على مستوى الجمارك؛ تنقل البضائع و السلع، إضافة إلى حماية ما بداخلها من أي خطر أو تدخل خارجي، سواءا تعلق الأمر بالاقتصاد أو بالسياسة أو بالثقافة. أما اللامحدود فالمقصود به "العالم"، أي الكرة الأرضية. فالعولة إذن تتضمن معنى إلغاء حدود الدولة القومية في المجال الإقتصادي (المالي و التجاري) و ترك الأمور تتحرك في هذا المجال عبر العالم و داخل فضاء يشمل الكرة الأرضية جميعها، و من هنا يطرح مصير الدولة القومية، الدولة/الأمة، في زمن تسوده العولمة بهذا المعنى(3). و هكذا إذا كانت العولمة سياسيا هي نهاية للتاريخ، فاقتصاديا هي نهاية للجغرافية.
و يأتي هذا المعنى موافقا لما تحمله كلمة عولمة من دلالات أنكلوسكسونية، بحيث تعني(أي عولمة) في التداولين؛ الإنجليزي و الأمريكي على حد سواء؛ كل ما يحيل على الكونية(Globlization)، أو ما يجعل من الشيء معمما خارجا عن السياقات الوطنية القومية نحو ما هو عالمي. ومن هنا يمكننا أن نحدس، منذ البداية، أن الأمر يتعلق بالدعوة إلى توسيع النموذج الأمريكي و فسح المجال له ليشمل العالم كله. و بعبارة أخرى، فبما أن الدعوة إلى العولمة قد ظهرت في الولايات الأمريكية المتحدة بهذا المعنى، في أوساط المال و الإقتصاد، فإن لنا أن نستنتج أن الأمر يتعلق ليس فقط بآلية من آليات التطور الرأسمالي الحديث، بل أيضا بالدعوة إلى تبني نموذج معين، و بالتالي فالعولمة هي؛ إلى جانب كونها نظاما اقتصاديا هي أيضا إيديولوجيا تعكس هذا النظام و تخدمه و تكرسه، و هناك من الكتاب من يقرن بينها  و بين "الأمركة"، أي نشر و تعميم الطابع الأمريكي(4).
إذن الهدف من العولمة هو إعادة توطين النموذج الأمريكي في كل بقاع العالم بحيث يغدوا الكوكب أمريكيا بحثا. و تستعمل أمريكا و التحالف الذي تقوده في هذا السياق كل الأدوات التقنية المتطورة و الإعلام و الفن و مواقع التواصل الإجتماعي...إلخ من الأدوات الفعالة لكي تثبت هذا المشروع، وتقضي عل كل مناهضيه و منتقديه. لكن الأسئلة التي تطرح ذاتها هنا بإلحاح، هي كالآتي؛ ماذا فعلنا نحن شعوب الجنوب أو كما يطلق علينا "الشرق" لكي نحمي أنفسنا و ثقافاتنا و هوياتنا من هذا النموذج الإستعماري الجديد؟ هل يكفي أن نكتب بضعة أسطر هنا وهناك عن نقد العولمة و طابعها الأمريكي لنسلم منها؟ أوليس تلخيص ثقافة مقاومة العولمة فقط في  النقد الفكري هو مضيعة للوقت في حين نعيشها يوميا بحدافرها؟  أليس خلق أدوات جديدة كفيلة بحماية ثقافتنا و تطويرها في منحى إيجابي سيكون هو الحل الأفضل لمقاومة العولمة؟ هل العولمة قوية أم نحن اللذين لم نستطع تجديد تراثنا و تعزيزه بالعلم و الفن و الفلسفة و الفقه ضمن ذهنية نسقية متراصة؟ أين يكمن الخلل إذن؟

         ثقافة مقاومة العولمة
لا يمكن أن تنجح ثقافة مقاومة العولمة، إلا إذا كانت مشروطة بوعي متكامل حول العولمة ذاتها شكلا ومضمونا. يجب أن نعي بأن العولمة هي نهاية السياسة، و ماذا يعني هذا الكلام؟ يفيد أن العولمة قوة استلاب، عملية نفي مستمرة تهدف إلى القضاء على كل سياسة تخالفها في المنهج و العقيدة. و لهذا وجب أن تتميز عملية المقاومة في هذا السياق بارتباطها، بكل ما يضمن الإستقلالية و السيادة في اتخاد القرار؛ وهذا في حد ذاته ثورة ضد كل أشكال الشمولية التي تفرضها العولمة.
و تتم عملية المقاومة الواعية ضد كل ما هو عولمي، من خلال أربع مداخل أساسية، وهي؛
أولا؛ المدخل الإقتصادي، يتجلى في؛ محاربة ثقافة الإستهلاك التي تفرغ الجيب و تعذب النفس، وتمرض الجسم، و ذلك بمقاطعة السلع و البضائع التي تحمل علامات الشركات متعددة الجنسيات، هذه الأخيرة التي تعمل على استعباد العمال في جميع أنحاء المعمور لهدف التوسع و التحكم في سياسات الدول، إضافة إلى عملها على إفقار الفقير و إغناء الغني. ووجب في هذا السياق على الدول أن تطور قوتها الصناعية إبداعيا على المستوى الداخلي من خلال الإهتمام بالمقاولات ودعم المشاريع الخلاقة. كما يجب على المواطن من جهته الإهتمام بالمنتوج الداخلي للرفع من منسوب ربحية الإقتصاد الوطني.
ثانيا؛ المدخل التربوي، يتجلى في؛ تمرين أنفسنا على التعامل الناقد مع الإعلام الغربي، خصوصا في ما يتعلق بالإشهارات؛ باعتبارها آلية ناجحة في صنع حاجات و رغبات غير أصيلة في نفس الإنسان، ما يؤدي إلى تشوه الإنفعالات البشرية. بالإضافة إلى هذا المعطى؛ وجب الإهتمام مدرسيا بالتربية على الفضيلة و الحقيقة،و الإستقلال الذاتي، و الإبداع العلمي، لكي لا تتمكن منا "ثقافة الإختراق" التي رسمها الغرب. و هذا ينتج عنه ألا نتعامل مع الغربيين باعتبارهم أسيادا لنا أو أعداءا لنا، بل باعتبارهم آخرا وجب عليه احترامنا كما يجب علينا احترامه.
ثالثا؛ المدخل الفلسفي، يتجلى في؛ التعريف بثقافاتنا و هوياتنا بشكل حضاري، مع العمل على فتحها تجاه العالم الخارجي بطرق حوارية تواصلية تفرض الإحترام المتبادل و الكرامة لكل الأطراف، ولن يحصل هذا دون تشبتنا بمشروعية التبرير لما هو ملك لنا. بالإضافة إلى العمل على إعادة تجديد قيمنا الجمالية التي تعلي من كل ما هو فني و رمزي ضد كل ما هو هبوط و تدني.
رابعا؛ المدخل السياسي، يتجلى في؛ الرفع من قيمة المواطنة، و ذلك بترسيخ قيم الديموقراطية و حرية التعبير. كما يجب أن نعمل على وضع تعاقدات اجتماعية و سياسية تعبر عن سيادة الشعوب لا عن سيادة الأنظمة العالمية التي تخلق جماعات اقتصادية في بلداننا ينهبون الخيرات ليلا و نهارا. وبالإضافة إلى هذا و ذاك يجب الرفع من قيم التسامح و الإخاء في ما بين مواطنينا أخلاقيا و قانونيا حتى نتمك من إقامة الإختلاف بيننا بما هو رحمة، لا بما هو خلاف تستغله الدول الغربية لخلق التفرقة و الصراعات، التي لن يستفيد منها سوى الغربي بائع السلاح.
حاصل القول، إن مقاومة العولمة- الأمريكية- لا تكون إلا بالوعي بمعنى و بمخاطر العولمة ذاتها، لأنه إذ لم نحدد معنى الخطر فلن نعرف كيف نتعامل معه. ولن تكون مقاومتنا لها نافعة إذا لم تسدد بما عملي فعلي، يتجلى بوضوح في استقلالنا السياسي-الإقتصادي، و في تكريس قيم الإخاء بيننا، لأن العولمة لن تجد مكانا في حياتنا إلا إذا كنا متصارعين،أي ضعفاء.

هوامش؛
1)عولمة على وزن "فوعلة"؛ و لا يهم ما إذا كانت هذه الصيغة قد وردت في كلام العرب-عرب الجاهلية- أم لم ترد، فالحاجة المعاصرة تفرض استعمالها. و هي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى مثل "قولبة" من قولب، أي وضع الشيء في صيغة قالب....إلخ. وهي صيغة مصدر لفعل يشتق من الإسم(قولبة من قولب من قالب، ويستعمل الكثيرون اليوم؛ أسلمة، من أسلم، من الإسلام). "أنظر؛ محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر،ص؛ 135"
2)الجابري محمد عابد ؛ قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثانية، 2003، ص؛135.
3)نفسه،ص136.
4)نفسه،ص؛137.

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/