مجزوءة الأخلاق - مفهوم الحرية - الحرية والحتمية، الحرية والإرادة، الحرية والقانون

فيلوكلوب أبريل 02, 2019 أغسطس 06, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


مجزوءة الأخلاق 
مفهوم الحرية
يدل لفظ الحرية بمعناه الفلسفي على قدرة الفرد على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة. والحرية بهذا المعنى تخص الإنسان، غير أن هذه الحرية التي تضع الإنسان فوق جميع كائنات الطبيعة، وتبدو متعارضة مع مبدأ الحتمية الذي تخضع له على نحو ثابت كل واقعة. فهل نحن مسؤولون نختار أفعالنا أم مضطرون إليها؟ وما هي قوة إرادتنا في التحكم في حياتنا؟ وكيف ترتبط حريتنا بالمجتمع؟

I.            الحرية والحتمية
تحليل نص باروخ اسبينوزا:

إذا كان الحيوان يحتكم في سلوكه وتصرفه إلى غريزته، فإن الإنسان يتميز عن الحيوان بكونه يحتكم إلى القواعد الأخلاقية. ومن  ثم كان الإهتمام بالأخلاق من طرف التفكير الفلسفي داخل ما يسمى بمبحث القيم. والقيم هنا هي يميز الوجود البشري باعتباره وجودا حرا. من هنا كان لزاما على التفكير الفلسفي البحث في مفهومين أساسيين وهما مفهوم الشخص باعتباره دلالة على الوجود الذاتي داخل الوجود الانساني، ومفهوم الحرية باعتبار الحرية هي ما يمز الشخص عن عالم الطبيعة وما يجعله كائنا أخلاقيا. ولعل من أبرز ما تم الإهتمام به داخل مبحث القيم مفهوم الحرية.  من هنا كانت ضرورة التفكير في الشخص والحرية وإن كان الإنسان حرا في تصرفاته وأفعاله، و قادرا على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة أم أنه خاضر للضرورات والحتميات. إذن، هل الإنسان حر في تصرفاته، يسلك وفق إرادته، أم أنه خاضع للحتميات والضرورات؟ بمعنى آخر هل يتمكن الإنسان من خلال إرادته من اختيار أفعاله وتصرفاته بحرية، بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره، أم أنه خاضع في هذا الإختيار لحتميات خارج إرادته ووعيه؟ وإذا كان الإنسان خاضعا للضرورة فما طبيعتها؟
يؤكد صاحب النص على أطروحة مؤداها أنه لا وجود لحرية إنسانية، فإذا كانت الحرية تعني قدرة الفرد على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة  فجميع الأشياء المخلوقة محددة بعلل خارجية في وجودها وافعالها. وتدل العلل الخارجية على كل ما يحدد فعل ووجود الشيء من الخارج، أي تلك العوامل التي تدفع الشيء إلى الفعل بغير حرية ولا إرادة، إذن فلا وجود لمجال الحرية وإنما هناك فقط الخضوع للعلل الخارجية التي تشير إلى الضرورة والحتمية. ولتوضح موقفه هذا يستحضر صاحب النص مثالا توضيحيا، وهو مثال حجر يتدحرج بفعل سبب خارجي، اي بقدر معين من الحركة، ثم بعد ذلك تتوقف تلك الحركة، في حين يواصل الحجر تدحرجه بالضرورة. فإن استمر الحجر في التحرك  فيكون ذلك بفعل إكراه. أي أن الحجر لا يتحرك بالضرورة، بل لكونه مدفوعا بعلة خارجية. وما يفهم من هذا المثال هو أن الفعل مرتبط بعلة خارجية تدفع إليه. وبعد استحضاره للمثال وشرحه، يعمم صاحب النص هذا القول على كل الأشياء الأخرى. حيث يقول: "وذلك لأن اي شيء كيفما كان لابد وأنه محدد بعلة خارجية تتحكم في وجوده وفعله". وبالتالي فكل شيء  بما في ذلك الإنسان، يخضع للعلل الخارجية، وهذه العلل تكون هي محدد الوجود والفعل. زيادة على ذلك يوظف صاحب النص مثال الحجر مرة أخرى، حيث يطلب من قارئي نصه أن يتخيلوا بأن ذلك الحجر يفكر، وأنه يبذل جهدا مادام مستمرا في حركته، يقول صاحب النص :" في هذه الحالة سيعتقد ذلك الحجر أنه حر وأن لديه إرادة في التحرك". ليعمم ذلك المثال على الحرية الإنسانية. فالحرية الإنسانية ليست إلا فكرة نابعة عن جهل بالضرورات والحتميات التي تغيب الحرية والإرادة.
خلاصة القول أن صاحب النص يرى في الحرية مجرد فكرة نابعة عن جهل بالأسباب، وأن كل شيء بما في ذلك الإنسان يخضع في فعله ووجوده لسبب (علة) خارجي. لكن ألا يمكن القول بدلا من ذلك أن الإنسان يمكن أن يسلك بحرية وبإرادة؟
لا يمكن أن ننكر أن لتصور صاحب قيمته، فهو تصور يتجاوز التصورات التي ترى أن الإنسان حرا حرية مطلقة، يتصرف وفق إرادته ومشيئته، ويستطيع تجاوز كل الحتميات والضرورات. إلا القول بخضوع الإنسان للعلل الخارجية وللحتميات والضرورات هو نفي لتميز الإنسان عن الحيوان بالوعي، ونفي لقدرته على تجاوز عالم الطبيعة والسلوك بحرية. إذن ألا يمكن القول بأن الوجود الإنسان وجود حر يتجاوز الإشراطات الطبيعية البيولوجية؟ يمكن القول بأن الإنسان يمكن أن يتجاوز كل الإكراهات والضرورات والحتميات. فالإنسان مشروع وأن ماهيته هي الحرية كما قال بذلك الفيلسوف جون بول سارتر، فالإنسان يتميز بالوعي وبالحرية، الشيء الذي يمكنه من تجاوز ما هو موجود، أي تجاوز الإكراهات والضرورات الاجتماعية والاقتصادية. إن الإنسان حسب سارتر ليس مجرد وسيلة خاضعة توجهها دوافع وقوى خارجة عنها. إن الإنسان من وجهة نظر الوجودية السارترية مشروع. لكن، إذا كان الإنسان يستطيع التصرف بحرية، نظرا لما يمتلكه من وعي، فإن وعيه هذا يكون مجردا خاضع للاوعي، ففرويد يرى أن هناك ما يحد ويحكم حرية الإنسان، حيث يخضع الإنسان حسب قوله إلى ثلاثة أشداء وهم: العالم الخارجي والهو والأنا الأعلى...
إذن نخلص إلى أن الحرية تبقى مفهوما إشكاليا، ومأزقا فلسفيا، حيث أن الإنسان يتراوح في سلوكه  بين الحرية وبين الحتمية، فيمكن أن يكون حرا انطلاقا من تميزه بالوعي والإرادة، لكن يمكن أن يكون خاضعا للحتمية، حيث يكون الإنسان غير قادر على تجاوز الضرورات والإكراهات، التي قد تكون سيكولوجية أو اجتماعية أو اقتصادية. لكن رغم كل ذلك، تبقى الحرية قيمة اخلاقية وغاية إنسانية، تميز الكائن الإنساني عن باقي الكائنات الأخرى.



II.            الحرية والإرادة
تحليل سؤال إشكالي مفتوح:
هل تسمح الإرادة بحرية مطلقة؟
يتحدد الوجود الإنساني بكونه وجود أخلاقي، تحكمه القيم الأخلاقي. والحديث عن القيم الأخلاقية يدفعنا إلى الحديث عن مفهوم الحرية الذي يأتي في مقابل مفهوم الحتمية. والحديث عن مفهوم الحرية يدفعنا إلى الحديث عن علاقة الحرية بالإرادة، فهذين المفهومين مفهومان متلازمان. والحديث عن علاقة الحرية بالإرادة يدفعنا إلى البحث في إمكانية أن تقود الإرادة إلى حرية مطلقة، من عد إمكانية ذلك. أي إن كان الإنسان يستطيع التصرف وفق حرية مطلقة انطلاقا من إرادته، أم  أنه لا يستطيع تجاوز الإكراهات. إذن، ما الحرية؟ وما الإرادة؟ وهل تسمح الإرادة بحرية مطلقة للإنسان، أم أن الإنسان لا يستطيع تجاوز الإشراطات والإكراهات سواء كانت اجتماعية أو نفسية؟ بمعنى آخر هل للإنسان القدرة على السلوك والتصرف بحرية أم لا؟ وإن كان يستطيع ذلك، فهل يمكنه السلوك والتصرف  بحرية مطلقة أم نسبية فقط؟
قبل الإجابة لابد أولا من تحليل هذا الإشكال الفلسفي، المتعلق بعلاقة الإرادة بالحرية. من حيث المضمون فالسؤال الإشكالي يساءلنا عن الإرادة، وبالضبط إن كانت الإرادة تسمح بالحرية المطلقة. بمعنى آخر، إن كان الإنسان يستطيع التصرف بحرية مطلقة نظرا لما يتميز به من إرادة ، متجاوزا كل الإكراهات والإشراطات والضرورات، أم أن الإنسان لا يستطيع بلوغ الحرية، وحتى إن استطلع ذلك فلن يستطيع بلوغ حرية مطلقة وإن حرية نسبية فقط. من هنا يتبين لنا أنه لابد أولا من تفكيك بينية السؤال المفاهيمية. يتضمن السؤال مفهومين أساسين وهما الحرية والإرادة. وتدل الحرية في دلالتها العامة على قدرة الإنسان على الفعل أو الإمتناع عنه، بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره، بمعنى آخر فالحرية هي حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها. أما الإرادة فهي القدرة على الإختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الفرد. ويظهر حسب السؤال الإشكالي أن مفهوم الحرية مرتبطا بمفهوم الإرادة، ولا يمكن تصور حرية بدون إرادة. بعد تفكيك السؤال مضمونا ومفاهيمية يمكن أن نبين كيف أن الإرادة يمكن أن تمكن الإنسان من السلوك بحرية.
يرى ديكارت وهو فيلسوف فرنسي، أن الإنسان كائن حر في اختياراته، وأن هذه الحرية تقوم على الإرادة. فالإرادة حسب ديكارت لا تخضع لأي إكراه خارجي، كما تعد أكمل وأعظم ما يمتلك الإنسان لأنها تمنحه القدرة على فعل الشيء أو الإمتناع عن فعله انطلاقا من معرفة مسبقة بالفعل وبنتائجه، فهي التي تخرجه من وضعية اللامبالاة وتدفعه إلى الإنخراط في مجال الفعل والمعرفة والإختيار الحر. وفي هذا السياق يميز ديكارت بين حرية سلبية تتجلى في اللامبالاة، وبين حرية إيجابية تتمثل في القدرة على التصور والحكم والتحرر. قيم الأ
خلاصة القول، أن الإنسان قادر على السلوك والتصرف بحرية، انطلاقا من ما يتميز به من إرادة. لكن ألا يمكن أن يكون القول بحرية الإنسان انطلاقا من إرادته قولا خاطئا يجهل ما يحكم الإنسان من حتميات وضرورات؟
لا يمكن أن ننكر ان الحرية قيمة إنسانية، تميزه عن عالم الطبيعة الذي هو عالم الحتميات والضرورات والإكراهات، من هنا كان ذلك التأكيد على كون الحرية ماهية الإنسان. ولعل أبرز من مثلوا هذا الموقف هو الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، الذي نصب نفسه عدوا لدعاة الجبرية والحتمية. فالإنسان حسب وجودية سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانيته. فيكون الإنسان من هذا المنظور الذي عبرت عنه الوجودية، ليس فقط كما يتصور ذاته فحسب، بل كما يريد أن يكون. وبهذا يكون سارتر مدافعا عن الموقف الذي يرى الإنسان حر من خلال إرادته في أن يكون ما يريد. وإذا أردنا مقاربة مفهوما الإرادة والحرية من منظور أخلاقي، فلابد من استحضار الفيلسوف الالماني كانط. فكانط يرى أن المجال الذي تمارس فيه الإرادة الحرة فعلها هو مجال الأخلاق. ذلك أن الإنسان يستطيع ككائن عاقل أن يعتمد على إرادته الحرة في وضع القواعد العقلية للفعل الإنساني. وعندما يخضع الإنسان لهذه القواعد فإنه يمتثل لإرادته ويمارس حريته. إلا أن هذا القول لم يلقى ترحيبا من طرف بعض الفلاسفة، ونذكر هنا الفيلسوف الألماني نيتشه، الذي ذهب إلى انتقاد الأخلاق الكانطية، باعتبارها اخلاق تقصي ما هو حسي وغريزي في الإنسان،  وبالتالي فهي تقصي ما هو إنساني في الإنسان. لذلك أكد نيتشه على أن الإرادة الحرة هي إرادة الحياة التي يحياها الفرد كام يريد وكما يشاء، بعيدا عن كل حتمية أخلاقية كانت أو اجتماعية. ورغم كل ذاك فهناك من ينفي خاصية الحرية والإرادة عن الإنسان، حيث ان أن الإنسان مثله مثل باقي الكائنات الأخرى يخضع للعلل الخارجية، التي تحدد وجوده وفعله.
هكذا يتبين لنا أن الحرية ترتبط بالإرادة، وأن الإرادة تسمح للإنسان بتجاوز المحددات الإكراهات، سواء كانت اجتماعية او اقتصادية أو طبيعية، كما تبين لنا كيف أن الإنسان انطلاقا من إرادته يستطيع أن يحيا حياته كما يشاء، وأيضا أن يضع القواعد الإخلاقية التي تنظم حياته الإجتماعية. إلا أن هناك من عارض فكرة حرية الإنسان، وبالتالي فكرة الخضوع للإرادة أيضا. من هنا يظهر لنا كيف أن مفهوم الحرية وعلاقته بمفهوم الإرادة كان محط مقاربات فلسفية متعددة، حاولت الكشف عن ما هو باطن، والإجابة عن ما هو إشكالي، فلا يمكن البحث في المجال الأخلاقي دون البحث في قضية الحرية.



III.            الحرية والقانون
تحليل قولة فلسفية:
 "الحرية هي حق فعل ما تبيحه القوانين"
إن السياسة والأخلاق لا يتناقضان، بل يترابطان، فإذا كانت السياسة تتوخى تدبير الشأن العام، فالإخلاق أيضا تراعي القواعد الأخلاقية التي من خلالها ينظم الشأن العام الإجتماعي والسياسي، كما تراعي توجيه السلوك الإنساني نحو فعل الخير والامتناع عن الشر. من هنا كانت الحاجة إلى جهاز الدولة، الذي يتخذ من الحرية غاية من غاياته الجوهرية، حيث أن الحرية من بين أسمى الغايات الإنسانية. لكن مفهوم الحرية يرتبط بمفهوم القانون، ما يدفع إلى التساؤل عن العلاقة بينهما، وإن كان القانون يسمح بممارسة الحرية، أم أنه معيق لها. وأيضا إن كان القانون يسمح بحرية مطلقة أم أنه يقيدها وفق قواعد وضوابط. إذن، ما الحرية؟ وما القانون؟  وهل يسمح القانون بممارسة الحرية، أم أنه يعيقها؟ وهل القانون بقواعده وضوابطه يسمح بحرية مطلقة أم أنه يقيدها؟ وهل يمكن تصور حرية خارج إطار القانون؟
يتضح من خلال قراءة القولة والتمعن في مضمونها، أنها تؤكد على كون الحرية حقُ فعلِ ما تبيحه القوانين، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الحرية مقيدة بالقوانين. فإذا كانت الحرية هي القدرة على الفعل أو الإمتناع عنه، فإن ذلك الفعل مقيد بالقوانين التي تفيد مجموع القواعد والضوابط المتواضع عليها، التي تروم تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع. أيضا، فالحرية باعتبارها حق الفعل ليست حرية مطلقة وإنما حرية مؤسسة على القانون وعلى المؤسسات. لكن كيف تكون الحرية هي فعل ما تبيحه القوانين؟ في هذا الصدد يمكن الإستئناس بما قدم أحد فلاسفة الأنوار وهو مونتسكيو، الذي ذهب في كتابه روح القوانين إلى أن الحرية لا يمكن فهمها إلا داخل إطار القانون، كما أنها لا تربط  بإرادات الأفراد المتعددة، وإنما بالقوانين وحدها. يقول مونتسكيو: "إذا ما استطاع أحد من الناس أن يصنع ما تحرمه القوانين سيفقد الحرية، وذلك لإمكان قيام الآخرين بمثل ما فعل" لذا يرى موتسكيو أن الحرية تحتاج إلى حدود، وهذه الحدود هي القوانين المسطرة من طرف المجتمع. لكن، يمكن أن تكون تمارس السلطة بشطط، لذلك يدعو مونتسكيو إلى الفصل بين السلط التشريعية و السلطة التنفيذية، فجمعهما في يد شخص واحد أو هيئة واحدة قد يؤدي إلى الإستبداد، وإصدار الأحكام اعتباطيا، وبالتالي غياب الحرية السياسية.
خلاصة القول أن الحرية باعتباره الحق في الفعل، مرتبطة بالقوانين التي تقيد الحرية، ولا تجعلها حرية مطلقة في الفعل، وبالتالي فالقانون ضامن للحرية. لكن هل القوانين فعلا ضامنة للحرية أم أن يمكن أن تكون عكس ذلك؟
إن القول بارتباط الحرية بالقوانين، وتقيد الحرية بقوانين يسنها أفراد المجتمع، يجعل من موقف الأطروحة موقفا قيما وذو أهمية، حيث أن الحرية المطلقة ستؤدي إلى الفوضى، وهي الحالة التي كانت سائدة في حالة الطبيعة، الحالة التي كانت فيها الحرية حرية مطلقة، وكان كل فرد يسلك وفق طبيعته وأهوائها. إلا أن القوانين يمكن أن تكون قوانين غير عادلة، وبالتالي لن تسمح بالحرية، وإنما بالإستبداد. فهل القانون ضامن للحرية فعلا؟ بما أن الحرية المطلقة هي ميزة حالة الطبيعة ، وأن هذه الحرية هي تهديد للإنسان، فقد ذهب فلاسفة عصر الأنوار إلى ربط الحرية بالمجتمع المدني والقوانين، والخروج عن القوانين لن يؤدي إلا إلى الفوضى. فطوماس هوبز مثلا يقر بضرورة القانون حيث يقول: "صحيح أن كل فرد يتمتع خارج المجتمع المدني بحرية كاملة، لكنها حرية غير مجدية، لأنها في الوقت الذي تمنحنا امتياز فعل كل ما نهواه، تمنح الآخرين قوة إيذائنا كما يريدون، لكنها عندما تكون تحت حكومة دولة قائمة، فإن كل شخص لا يتمتع بالحرية إلا بالقدر الذي يكفيه منها كي يحيى حياة يسيرة". نفس القول المؤكد على ضمان القانون للحرية أكدت عليه حنا آرندت، تقول أرندت: "إننا نعي أولا، الحرية أو نقيضها، عندما ندخل في علاقة مع غيرنا، وليس في علاقتنا مع ذواتنا، فالحرية قبل أن تصبح صفة للفكر أو سمة من سمات الإرادة، قد تم فهمها باعتبارها وضعا للإنسان الحر، الذي يسمح  له فيه بالتنقل وبالخروج من منزله، وبالتجوال  في العالم والإلتقاء بغيره..." وبالتالي فالحرية حسب آرندت هي فعالية، مرتبط بالمجالي السياسي والإجتماعي، ولا حديث عن حرية خارج هذا الإطار. لكن هذا الموقف لم يكن ليروق لبعض المفكرين الذي يرون في القوانين تضييقا لمجال الحرية، وفي هذا الصدد يمكن أن نستحضر موقف الفيلسوف الألماني ماكس سترنر Max Stirner الذي يقول:
 إن الدولة لا تروم إلا غاية واحدة: تقييد واستبعاد الفرد".
 وهو نفس تصور الفلسفة الماركسية للدولة ولقوانينها.
هكذا نخلص إلى أن الحرية مرتبط أشد الإرتباط بالقانون، فغياب القانون سيؤدي إلى الفوضي والإقتتال وبالتالي إلى القضاء على الحرية، سواء كانت حرية اجتماعية أو سياسية. لكن ارتباط الحرية بالقانون لا يعني أن يكون القانون على حساب الحرية، فالقانون الذي يؤسس للحرية هو القانون العادل الذي يحترم المواطنين، وغير ذلك يكون القانون عائقا أمام الحرية. بهذا يظهر لنا كيف أن الحرية غاية إنسانية وقيمة أخلاقية سامية، يتوخى الجميع تحقيقها وبلوغها.

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/