محنة الفيلسوف بقلم الطالب الباحث زكرياء الساسي | فيلوكوم PHILOKOM |

فيلوكلوب مايو 25, 2019 مايو 25, 2019
للقراءة
كلمة
1 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


  • محنة الفيلسوف
  • زكرياء الساسي - طالب باحث - شعبة الفلسفة - من مواليد مدينة فاس  - المغرب

على مر العصور كان هناك تضارب  في الآراء بين رجال الدين و الفلاسفة حول حقيقة العالم و نشأة الكون و أشياء أخرى مما جعل الفلاسفة  يدخلون في صراع مع ما جاءت به الكتب السماوية، لكن المسألة لا تقف في الخلاف الحاصل بين الفلاسفة و رجال الدين بل تمادت الأيادي أن تصل بهم إلى قتل و تعذيب و اضطهاد كل من يتفلسف و يطرح السؤال و كما كان يقول شيخ الاسلام إبن تيمية " من تفلسف فقد تمنطق و من تمنطق قد تزندق " أي خرج عن الملة و سير نحو ما  لا يرضي الله، و قد تم قتل و تعذيب كثير من الفلاسفة و العلماء و المفكرين بإسم الدين، و كأن الدين جاء ليسفك الدم في الارض، و أن يخلق الرعب بين الناس و من الذين تم تعذيبهم من طرف الكنيسة غاليليو غاليلي الذي خالف الإعتقاد السائد قبله في مسألة مركز الكون حيث فند نظرية بطليموس التي كانت تقول أن مركز الكون هو الارض و هي ثابتة و مسطحة و تم قبض على غاليليو بتهمة الهرطقة و المس بمقداسات إلى أن أجبروه على التنازل عن فكرته و نظريته فبقي حبيس منزله إلى أن مات، و قبله تم القضاء على الاستاذ و الأب الروحي للفلسفة سقراط الذي كان شعاره " اعرف نفسك بنفسك فالحقيقة داخلك لا خارجك " و الذي رفض فكرة الوثنية في بلاد اليونان و قال بوحدة الرب ( اللـــه ) مما جعل منه فريسة اعدائه و تم القبض عليه و محاكمته بتهمة تحريض الناس على عدم طاعة الدين الرئيسي للبلاد، و قد اختار هذا الفيلسوف الكبير طريقته في الموت و هي شروب سم، ثم ودع العالم الباطل الى عالم العدالة، و في حضارتنا الاسلامية كذلك يتكرر السيناريو، فقد عانى العديد من الفلاسفة المسلمين ممن يدعون أهل الدين و أتباعه، فقد تم تكفير أبو علاء المعري و صلب الحلاج بسبب قصائده، و من بين أشهر العلماء و الفلاسفة المسلمين الذين كافروهم ابن سينا الفيلسوف و الطبيب و كذلك ابن رشد معروف بمحنته الشهيرة و التي تتجلى في حرق كتبه و طرده و نفيه في عهد المنصور بالله يعقوب بن يوسف بن عبد الله المؤمن الرابع من خلفاء الموحدين و الذي كان يحب ابن رشد و لكن انقلب عليه بسبب اعداء ابن رشد الذين وشو به ليعقوب بن يوسف و تم حرق كتبه كلها و بقي القليل منها و يقول ابن رشد ما أحزنني هو الواقعة التي وقعت لي أنا و ابني عندما أردنا دخول المسجد لتأدية صلاة العصر فطردونا من المسجد بقرطبة، و كان السبب في تكفير ابن سينا و ابن رشد هو اتباعهم لبعض المسائل الفلسفية لأرسطـو..و يبدو أن ما يعجز عنه العقل في اتباته و البرهنة عليه يتم تحويله الى كراهية تنشب في قلوب الناس اتجاه الفلاسفة، و القائمة طويلة في هذا الصراع التاريخي الفكري القائم بين أهل الفكر و العلم و أهل الدين و الايمان، و لا ننسى ما أثاره الفيلسوف الهولندي تلميذ ديكارت، باروخ سبينوزا الذي انتقد الدين اليهودي و قال أن الدين و الديانات فهي من صناعة الانسان و رفض الايمان بها، الشيء الذي جعل اباه يطرده من البيت بل طرده حتى من العائلة و رفض ان يرث فيه و هذب هذا الفيلسوف العظيم لكي يعيش من صناعة الساعات كالمتشرد المسكين.
و من هنا يظهر أن الفلاسفة يعيشون حالة من التشرد و المنفى حتى في اوطانهم و غرباء بين الناس ملوك على العقلاء أسياد الفكر و المنطق، أرباب العلم يخلقون العالم خاص بهم كأنه العالم المثل عند أفلاطون أو المدينة الفضيلة التي تحدث عنها، و هذا ما يجعلهم يتمردون على ما لا يجدونه قابل للتفسير العقلي أو المنطق و يتساءلون عن كل شيء في هذا الوجود، و هذا هو أساس المشكلة لأن القضايا الدينية تتطلب الايمان بدون تشكيك فيها، و من هنا تنشب الحرب و الصراع بين الفلاسفة و رجال الدين إلا أن الفلاسفة يؤمنون باختلاف و قبول الرأي الأخر، بينما أهل الدين متشددين لا يقبلون ذلك، و يقول الفيلسوف الفرنسي دنيـس ديـدرو " لم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين و لكن كثير من الرجال الدين قتلوا الكثير من الفلاسفة ".
زكرياء الساسي

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. منشووور راااائع و غني بالمعلوومات و بالتوفيق اخي الفاضل زكرياء الساسي

    ردحذف

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/