- محنة الفيلسوف
- زكرياء الساسي - طالب باحث - شعبة الفلسفة - من مواليد مدينة فاس - المغرب
على مر العصور كان هناك تضارب في الآراء بين رجال الدين و الفلاسفة
حول حقيقة العالم و نشأة الكون و أشياء أخرى مما جعل الفلاسفة يدخلون في صراع مع ما جاءت به الكتب السماوية، لكن
المسألة لا تقف في الخلاف الحاصل بين الفلاسفة و رجال الدين بل تمادت الأيادي أن تصل
بهم إلى قتل و تعذيب و اضطهاد كل من يتفلسف و يطرح السؤال و كما كان يقول شيخ الاسلام
إبن تيمية " من تفلسف فقد تمنطق و من تمنطق قد تزندق " أي خرج عن الملة و
سير نحو ما لا يرضي الله، و قد تم قتل و تعذيب كثير من الفلاسفة و العلماء و المفكرين
بإسم الدين، و كأن الدين جاء ليسفك الدم في الارض، و أن يخلق الرعب بين الناس و من
الذين تم تعذيبهم من طرف الكنيسة غاليليو غاليلي الذي خالف الإعتقاد السائد قبله في
مسألة مركز الكون حيث فند نظرية بطليموس التي كانت تقول أن مركز الكون هو الارض و هي
ثابتة و مسطحة و تم قبض على غاليليو بتهمة الهرطقة و المس بمقداسات إلى أن أجبروه على
التنازل عن فكرته و نظريته فبقي حبيس منزله إلى أن مات، و قبله تم القضاء على الاستاذ
و الأب الروحي للفلسفة سقراط الذي كان شعاره " اعرف نفسك بنفسك فالحقيقة داخلك
لا خارجك " و الذي رفض فكرة الوثنية في بلاد اليونان و قال بوحدة الرب ( اللـــه
) مما جعل منه فريسة اعدائه و تم القبض عليه و محاكمته بتهمة تحريض الناس على عدم طاعة
الدين الرئيسي للبلاد، و قد اختار هذا الفيلسوف الكبير طريقته في الموت و هي شروب سم،
ثم ودع العالم الباطل الى عالم العدالة، و في حضارتنا الاسلامية كذلك يتكرر السيناريو،
فقد عانى العديد من الفلاسفة المسلمين ممن يدعون أهل الدين و أتباعه، فقد تم تكفير
أبو علاء المعري و صلب الحلاج بسبب قصائده، و من بين أشهر العلماء و الفلاسفة المسلمين
الذين كافروهم ابن سينا الفيلسوف و الطبيب و كذلك ابن رشد معروف بمحنته الشهيرة و التي
تتجلى في حرق كتبه و طرده و نفيه في عهد المنصور بالله يعقوب بن يوسف بن عبد الله المؤمن
الرابع من خلفاء الموحدين و الذي كان يحب ابن رشد و لكن انقلب عليه بسبب اعداء ابن
رشد الذين وشو به ليعقوب بن يوسف و تم حرق كتبه كلها و بقي القليل منها و يقول ابن
رشد ما أحزنني هو الواقعة التي وقعت لي أنا و ابني عندما أردنا دخول المسجد لتأدية
صلاة العصر فطردونا من المسجد بقرطبة، و كان السبب في تكفير ابن سينا و ابن رشد هو
اتباعهم لبعض المسائل الفلسفية لأرسطـو..و يبدو أن ما يعجز عنه العقل في اتباته و البرهنة
عليه يتم تحويله الى كراهية تنشب في قلوب الناس اتجاه الفلاسفة، و القائمة طويلة في
هذا الصراع التاريخي الفكري القائم بين أهل الفكر و العلم و أهل الدين و الايمان، و
لا ننسى ما أثاره الفيلسوف الهولندي تلميذ ديكارت، باروخ سبينوزا الذي انتقد الدين
اليهودي و قال أن الدين و الديانات فهي من صناعة الانسان و رفض الايمان بها، الشيء
الذي جعل اباه يطرده من البيت بل طرده حتى من العائلة و رفض ان يرث فيه و هذب هذا الفيلسوف
العظيم لكي يعيش من صناعة الساعات كالمتشرد المسكين.
و من هنا يظهر أن الفلاسفة يعيشون حالة من التشرد و المنفى حتى في اوطانهم
و غرباء بين الناس ملوك على العقلاء أسياد الفكر و المنطق، أرباب العلم يخلقون العالم
خاص بهم كأنه العالم المثل عند أفلاطون أو المدينة الفضيلة التي تحدث عنها، و هذا ما
يجعلهم يتمردون على ما لا يجدونه قابل للتفسير العقلي أو المنطق و يتساءلون عن كل شيء
في هذا الوجود، و هذا هو أساس المشكلة لأن القضايا الدينية تتطلب الايمان بدون تشكيك
فيها، و من هنا تنشب الحرب و الصراع بين الفلاسفة و رجال الدين إلا أن الفلاسفة يؤمنون
باختلاف و قبول الرأي الأخر، بينما أهل الدين متشددين لا يقبلون ذلك، و يقول الفيلسوف
الفرنسي دنيـس ديـدرو " لم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين و لكن كثير من الرجال
الدين قتلوا الكثير من الفلاسفة ".
زكرياء الساسي
1 تعليقات
منشووور راااائع و غني بالمعلوومات و بالتوفيق اخي الفاضل زكرياء الساسي
ردحذف