صعوبة الفلسفة بقلم عبد الكريم الحجاجي

فيلوكلوب يونيو 23, 2019 يونيو 23, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


  1. صعوبة الفلسفة
  2. بقلم عبد الكريم الحجاجي

إن الحديث عن صعوبة الفلسفة، لا يستقيم إلا من خلال الوقوف عند إشكالية التعريف أولا، بكون نجد هناك اختلافات في تعريفها. فعند عامة الناس يطلق لفض الفلسفة  على الكلام المبهم ، وعلى معرفة ليس لها  منفعة مادية، إنها معرفة مجردة بعيدة عن الواقع، وفي نظرهم مجرد تلاعب بالكلمات، على حد تعبير الفيلسوف" بول فالبريpoul vqlery". وفي مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، كثيرا ما تكون كلمة فلسفة موضوعا للفهم الساذج. فعلى سبيل المثال إذا أردنا أن نسخر من شخص قلنا بأنه يتفلسف، أي يقول كلام مجردا يستعصي فهمه.
   أما الفلسفة عند الفلاسفة، تعاكس المعارف الأخرى، بكونها تطرح مشكل تعريفها كجزء من اهتمامها. و السؤال ما الفلسفة؟ سؤال ملازم للتفكير الفلسفي، يقول هايدغر في هذا الصدد"عندما نتساءل ما الفلسفة؟ فالهدف أن ندخل في عالم الفلسفة وان نقيم فيه ، أي نتقلسف".
  و الحديث عن الفلسفة في معناها الاشتقاقي ، ترجع إلى اللغة اليونانية، وهي كلمة مركبة من philo  و  sophia، وتعني محبة الحكمة. والمقصود الحكمة هنا ليس هو سداد الرأي وحسن السلوك و التدبير، و إنما المقصود هو التأمل النظري المجرد الذي يتوخى الوصول إلى الحقائق و المبادئ الأولى. و يعتبر فيتاغروس(572-494 ق.م) أول من استعمل هذه الكلمة بهذا المعنى بكونه اعتبر نفسه محبا للحكمة؛ أي فيلسوفا ليس حكيما، لأن الحكمة في نظره من اختصاص الآلهة.
  وفي المعنى الاصطلاحي، ليس هناك تعريف دقيق و موحد للفلسفة، وهذا ما يجعل تعريفها من الصعب تحديده في مفهوم معين، مما يطرح إشكالا عويصا يصعب تحديده. لذلك سنحاول ان نقترب من مفهومها انطلاقا من بعض النماذج من تعريف الفلسفة عبر تاريخها.
   فإذا كان أرسطو يميز بين معنيين، معنى عام، ومعنى خاص، الأول هي الفلسفة النظرية التي تدور مباحثها حول السياسة و الأخلاق...، أما الثاني، الثاني فهي الفلسفة الأولى أو الميتافيزيقا، ويصرح بأنها معرفة" الوجود بما هو موجود"، أي العلل الأولى و المبادئ الأولى، و بذلك تكون الفلسفة عند  أرسطو هي العلم الشامل، أي أم العلوم، ظل هذا المفهوم للفلسفة هو الشائع عبر تاريخها حتى أوائل عصر النهضة الأوروبية. وخاصة مع مجيء ديكارت الذي صرح في كتابه مبادئ الفلسفة، "أنها بمثابة شجرة جذورها الميتافيزيقا، وجدعها العلم الطبيعي، وأغصانها المتفرعة عن الجذع بقية العلوم الأخرى"( الميكانيكا، الطب، الأخلاق).
   وبالموازاة مع ذلك نعطي مقاربة بالوضعية المنطقية، خاصة فيتغنشطاين(1951-1889)،  الذي اعتبر الفلسفة بأنها " ليست نظرية من النظريات، بل هي فاعلية، و لذلك يتكون العمل الفلسفي أساسا من توضيحات(...)ن ف الفلسفة أن تعمل على توضيح و تحديد الأفكار بكل دقة". حسب هذا التعريف، إن مهمة الفلسفة ليس البحث في قضايا ميتافيزيقية مجردة، و إنما لهدف تطهير اللغة العلمية مما لليس علميا، كالمفاهيم الميتافييزيقية و اللغة العادية.
   إن صعوبة الفلسفة تتجلى في كونها تشخص الواقع الحاضر بلغة ميشيل فوكو(1984-1926)، بقوله " إنها عملية تشخيص على غرار الفحص الطبي، إنها محاولة، لتشخيص الحاضر، إنها تسعى لأن تعينها، هو الحاضر، و بماذا يختلف حاضرنا اختلاف مطلقا عن ماضينا ..".
   و عليه يستلزم القول  من خلال هذه المواقف أو بشكل أصح التعاريف، أن هناك  تعارف مختلفة باختلاف الاتجاهات و الأنساق الفلسفية، لأن ليس هناك تعريف مطلق للفلسفة، و بالتالي يمكن القول أن أول تجلي  صعوبة الفلسفة  هو إشكالية التعريف. و لعل هذا التعدد و الاختلاف  في التعريف يطرح معوصات في إشكالية الفلسفة. يمكن حصرها في عوامل ذاتية و أخرى موضوعية؛ و تتجلى الأولى في ثقافة الفيلسوف، و تكوينه وتفكيره الخاص، و نظرته إلى الإنسان و المجتمع و التاريخ...
   أما الثانية تكمن في أن كل فلسفة مشروطة بالتقدم العلمي و بالأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية، لذلك يقول كارل ماركس في هذا الصدد" ان الفلسفة هي الخلاصة الروحية لعصرها"، وعليه يمكن القول أن كل تعريف  للفلسفة يظل نسبيا، و لا يمكن فهمه إلا ضمن الشروط السابقة، أي أنه لا يجب فصل تعريف الفلسفة عن تاريخها.
   بعبارة أدق، إن تمظهر صعوبة الفلسفة يمكن حصره في قول الألماني نيتسه في كتابه الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي (ترجمة سهيل القش)" ان الفلسفة بدأت من فكرة غريبة" من هنا نتساءل أين تكمن غرابة و معوصات الفلسفة بشكل عام؟ و الفكر الفلسفي على وجه الخصوص؟.هل هي في طبيعة المفاهيم، أم في طبيعة الخطاب الفلسفي ذاته؟،  لأنه خطاب حدس وعميق يستدعي التأمل و النظر بعمق ورزانة، هذا إذا وفقط إذا كانت الفلسفة بتعبير دلوز " خلق وإبداع المفاهيم" غير أن هذه الأخيرة  يصعب عزلها عن النسق و الشروط النظرية التي تقال فيها. أي أن المفهوم لا حياة له   إلا داخل نسق الفيلسوف، وعليه لا يمكن أخد مفهوم ما قيل في شوط فلسفية وابيستمولوجية  معينة من أجل الدلالة على شيئ  في واقعنا المعاصر، وهذا يمثل تجلي  من تجليات الصعوبة الفلسفية.

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/