- إغتراب الأنا في الفكر السارتري
- ذ. باحث : أسامة الدرقاوي
تقديم:
إن الإغتراب
بوصفه ظاهرة بدأت بوادرها منذ التاريخ القديم، على الرغم من أنه يعد اصطلاحا فلسفيا حديثا،
إلا أن للإغتراب أصوله التاريخية في الفلسفة القديمة وبالقدر يكفي للإلفادة ،بأن جذور هذا
المصطلح ذات مرجعية تصل إلى اليونان.
إذ تمكنت
الروح المندهشة للإنسان القديم من إنتاج تعابير وأفكار، ونحت مفاهيم كمفهوم الإغتراب.
ونجد أن تصور الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، الذي هو قيد التحليل، أن سيكولوجيته ،قامت على مبدئي الخيال
والإنفعال، وهذا التوتر الناتج عبر سلسلة من التفاعلات الداخلية وبين الانفعال الخارجي.
وهو الذي
يصفه سارتر بأنه السبب"في تعديل كلي للوجود في العالم المعاش، أي أن الواقعة الشعورية
ما هي إلا دلالة على الواقع بجملته من حيث أنه يجعل من نفسه واقعا منفعلا أو منتبها
أو مدركا أو مريدا"1
ولقد تكلم
سارتر عن مفهوم الإغتراب في كتابه ( نقد العقل الجدلي ) وعرفه بأنه :
تموضع ذات
الفرد باعتبارها شيئا غريبا ومعاديا له.
أما في كتاب
( الوجود والعدم ) عنى بالإغتراب "معايشة الفرد لذاته كشيء وليس كذات من خلال
وساطة آخر"2
إن هذا التدخل
عند سارتر بين الغير والذات هو أساس مفهوم الإغتراب، الذي يصيب الإنسان بسبب ظروف الحياة
المعاشة، فعشية الوجود هي قضية لا فكاك منها، وهذا من أجل أن يحيى الإنسان حياة موثوق
بها وهو بأن يشعر الفرد أن الحياة لا تنطوي على معنى ومع ذلك فإن عليه أن يقتحم الحياة
بإرادة حرة فاعلة، وهنا مع سارتر الفيلسوف نتلقى ،هذا المعطى إذ ينال الوجود الفردي
عنده قيمة ودورا أكبر من الوجود الجماعي.
فاالآخر لدى
سارتر يعُوق الهدف الذي يريد كل مَوجود بشري تحقيقه، حيث أن وجود كبير من الموجودات
البشرية في العالم يحبط تحقيق هذه الرغبة وهي رغبة الوجود المتناهي ؛
إذ يراه سارتر
به يصل الإنسان إلى مرحلة الكمال و الإرتقاء.
أ ) جدلية
الأنا بالآخر :
يخوض سارتر
ويبدأ بعرض التصورات لعلاقة الأنا بالآخر، إذ يرفض الأفكار السابقة، وبدلها يقدم تصوره
الخاص عن علاقة الأنا باالآخر :
إذ يرى سارتر
"أننا نقع بإزاء تصورين، الأول : هو النظرية المثالية التي تبدأ من الفكر الكلي
لتذيب الجزئي فيه، والثاني: هو النظرة التي تؤكد الأنا-الأنا المطلقة، أو الأنا وحدية
.3
"والأنانة*
التي تؤكد أن لا وجود لشئ غير الأنا، أما سارتر فيرفض كال الإتجاهين، ويشدد على وجود
الذات الفردية غير أنه لا ينكر وجود الغير، إذ إن وجود الغير لا يحتاج إلى برهان".4
ويرى أن المثالية
والواقعية غير قادرتين على إعطاء تفسير سليم للعلاقة باالآخر، وغير قادرتين على دحض
الأنا وحدية.
إذ يرى سارتر
أن العلاقة بين الأننا والآخر قد أثيرت في القرن التاسع بإسهام كل من هيجل وهوسرل وهيدجر.
حيث أن فلسفة
هيجل تقوم على العلاقة بين الأنا-والآخر، كما يرى سارتر أن هذه الأخيرة ذات عالقة داخلية،
إذ إن كل من الأنا-والآخرو يسعى إلى أن يؤسس ذاته من خلال
تحطيم الآخر.
و يتضح هذا
من خلال دراسة هيجل للعلاقة بين السيد والعبد وما يقوم بينهما من صراع، "فالعلاقة
هنا تتحدد على المستوى الداخلي، غير أنها تظل كما يرى سارتر علاقة عقلية تقف عند مستوى
المعرفة .5
أما عند هوسرل
فتقوم العلاقة بين الأنا والآخر عن طريق العالم، إذ أن هذا الأخير ، ينكشف للوعي ويحيل
إلى الآخر باعتباره شرطا لتأسيس العالم ولوحدته، ولثرائه وإن كانت الأنا جزءً من العالم
فإن الآخر يظهر كذلك من حيث هو شرط لتأسيس الأنا.
غير أن سارتر
يرى أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة خارجية وعقلية وموضوعية، إذ تؤكد على وجود
الآخر إلى على نحو احتمالي بحث.
أما هيدجر
نجده قد نقل مسألة الآخر من مستوى المعرفة إلى مجال الوجود كما يرى سارتر هذا ما أتى
به هيدجر من جهة أنه تميز على الفلاسفة السابقين، فالعلاقة لديه ليست علاقة معرفية
بل علاقة وجودية، إلا أن هيدجر لم يسلم من نقد سارتر له على اعتبار أن "هيدجر
لم يبدأ من الكوجيتو الديكارتي، ولم يستطع بالتالي أن يقيم حسابا للفرد المحسوس، وانزلق
إلى المثالية، آخذا الآخرين على أنهم معطون و مندرجون في مركب الأذوات".6
فقد خلص هيدجر
على أن الآنيات( الأنا) يتوقف بعضها على بعض في وجودها الجوهري، إذ أن خاصية وجود الآنية
هي أنها وجود مع الآخرين والغير، حيث أنه "هذا الوجود يعد تركيبا جوهريا في وجودي،
غير أن هذا التركيب لا يتقرر من الخارج ومن جهة نظر شمولية كما عند هيجل"7 .
إذ يقول سارتر:
"لقد لاحظنا إخفاق هوسرل، الذي قاس الوجود بالمعرفة، وكذلك إخفاق هيجل الذي وحد
بين المعرفة و الوجود وعلى الرغم من رؤية هيغل المثالية، إلا أنه إستطاع أن يضع المشكلة
في مستواها الحقيقي .8
إن كل شخصية
إنسانية تعامل ( أناها ) بوصفها أنا مستقلة، وبكونها حرية مطلقة، لكن حيث ينظر الآخر
إلى الأنا، فإنه يمتلك وجودها.
وكما قلنا
آنفا فإن علاقة الأنا باالآخر هي علاقة جدلية تدخل في نطاق الدياليكتيك والصراع الدائم.
إذ يقول سارتر
: "فلست أنا نفسي غير إحالة خالصة إلى الغير، إن الغير ليس موضوعا هنا، فأنا لا
أقصد الغير كموضوع ولا ( أناي ) كموضوع لذاتي، إنني مفصول
عن ذاتي إلا
كخجل أو كبرياء في أحوال أخرى"9.
و نجد أنه
هناك نتيجتان رئيسيتان لإدراك نظرة الآخرين حسب سارتر، الأولى وهي حين تبدو الأنا كموضوع
وهدف لنظرة الآخر سيتم التشييىء ويحكم الآخر على _الأنا _ كما يحكم على سائر الأشياء
الأخرى من نبات وحيوان وجماد، أما النتيجة الثانية فتتمثل في
أنه بمجرد
أن تدرك الأنا، الآخر فهي تدرك نفسها الأنا بأنها ليست سيدة الموقف، إذ هي في هذه الحالة
موضوع للآخر وهنا لزم الدفاع قدر الإمكان بتدمير الحرية الغير معروفة للآخر إذ هو نفسه
سيصير شيئا، أي توجه له الأنا نظرة لتحيله إلى موضوع.
_________________________
1 جون
بول سارتر، نظرية في الانفعالات، ترجمة سامي محمود و عبد السالم النقاش، دار المعارف،
مصر 1990 ،ص 69 .
2 سارتر،
الوجود و العدم، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الآداب، بيروت، ط 1 ،1966
3 المرجع
السابق، ص 423
4 نفسه،
ص 424
5 حبيب
الشاروني، فلسفة سارتر، منشأة المعارف، الاسكندرية، ص 165
6 المرجع
السابق، ص 166
7 سارتر،
الوجود و العدم، ص 4
8 نفسه،
ص 414 .
9 سارتر،
الوجود و العدم، مرجع سابق، ص 438 .
أسامة الدرقاوي
0 تعليقات