العلم في علاقته بالفلسفة : دراسة كرونولوجية بقلم الطالب الباحث : حمزة كدة | فيلوكوم PHILOKOM|

فيلوكلوب يونيو 02, 2019 يونيو 02, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A



  • العلم في علاقته بالفلسفة : دراسة كرونولوجية
  • بقلم الطالب الباحث : حمزة كدة  - طالب باحث بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط تخصص الفلسفة.

 __________________
لطالما طرح علماء ومفكري الحقلين المعرفيين "الفلسفة والعلم"، إشكالية العلاقة التاريخية الدائرة بينهما، أو بمعنى آخر، طرح التساؤل حول معضلة وقضية السبق التاريخي بينهما، فأي حقل من هاذين الحقلين ظهر أولا ؟ وما مدى مساهمة كل حقل في النهوض بالآخر ؟
طبعا لتقديم بعض الإشارات واللمحات التي تأخد صيغة شبه الجواب على هاته الإشكالات، من الضروري القيام بدراسة كرونولوجية، لمعرفة تاريخ العلم وكذلك تاريخ الفلسفة، وبهذا فالمسألة هي مسألة تأريخية.
يعتبر العلم ظاهرة حضارية عملت على بناء المجتمعات وساهمت في تطور الأمم، على مدى عقود من الزمن، وجاهد علماء كثر في تخصصات كثيرة على إيصاله وتعميمه، حتى أصبح العلم ظاهرة مساهمة في بناء المجتمعات من خلال البناء المعرفي للإنسان، وبناء عقله وتغيير واقعه، وهذا ما يرجعنا إلى الحديث عن العلم والفلسفة، فهم معاً يشكلان حلقة وصل ورابطة قوية، حيث أن الفيلسوف يستطيع التأثير بأنظمته الفلسفية على بناء المعرفة العلمية، وبالتالي لمعرفة كل واحد منهما من الضروري القيام بدراسة تاريخية كرونولوجية لهما.
إننا لو تأملنا في كتابات أغلب المفكرين الذين كتبوا في هذا السياق، لإستقينا منهم الجواب بشكل صريح، وهو جواب يقول بأسبقية العلم على الفلسفة، فكما هو معلوم ومحسوم أن الفلسفة ولدت في  الحضارة اليونانية، بينما الدراسات التاريخانية والتأريخية تحيل لنا على أن ظهور البواكر والإرهاصات الأولى للعلم، تمت ولادتها في كنف الحضارات السحيقة التي سبقت الحضارة اليونانية بكثير، إنها ومن دون أدنى شك الحضارات الشرقية، كالحضارة المصرية القديمة والحضارات الميزوبوتامية (بلاد الرافدين) وغيرها من الحضارات،
إذن فإنطلاقا من هذا الطرح، تنبع لدينا كباحثين مهتمين بالشأن المعرفي العديد من الأسئلة والإشكالات، التي يمكن التعبير عنها بالشكل التالي :
كيف كانت البدايات الأولى للعلوم القديمة؟ وكيف تطورت؟ هل يمكن القول أن العلوم القديمة كانت لها اليد البيضاء في نشوء وظهور الفلسفة في اليونان؟
أيمكننا أن نقول أن العلم القديم ذو كينونة خالصة ومنفصلة عن باقي الشوائب، أم أن للميثولوجيا و الدين يد في ذلك ؟

في الحقيقة، إنه لمن الصعب تقديم إجابة واحدة جامعة مانعة والإكتفاء بها، في ظل غنى وتشابك وتعدد الآراء والنظريات التي تصب في ذات موضوعنا، وبالتالي فشيئ عادي أن نجد موقفين مختلفين متعارضين فيما بينهما،
على أن هناك من يعتبر أن النشأة القطعية والفعلية للفلسفة تمت في اليونان، بينما هناك مواقف أخرى تعتبر أن الفكر العلمي القديم إلى جانب الخصائص الفكرية الأخرى ساهمت بشكل كبير في ظهور الفلسفة في اليونان، وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن البدايات الأولى للعلوم القديمة.

إن البدايات الأولى للعلوم، قد إنطلقت في عصر ما قبل التاريخ، حيث أن حاجة الإنسان فرضت عليه الإبداع والإبتكار وهنا نستحضر المقولة الشهيرة القائلة بأن "الحاجة أم الإختراع"، لأن الإنسان القديم كان يعيش في ظروف طبيعية صعبة للغاية، وهاته الأخيرة هي من فرضت عليه أن يفكر في بديل غاية تطوير حياته وتيسيرها، وهذا ما نتج عنه إبتكار الكتابة التي كانت بمثابة ثورة حقيقية لولادة وإنبثاق العلوم القديمة حتى إن المؤرخين يعتبرون ظهور الكتابة بمثابة إنتصار للتاريخ، فبفضل هذه الأخيرة إستطاعت الإنسانية تدوين وحفظ خبراتها و تجاربها للأجيال و العصور و الأزمنة اللاحقة عليها،
على أن أول إكتشاف صريح للكتابة التي عرفتها البشرية هي الكتابة المسمارية مع حضارات بلاد الرافدين وبالضبط الحضارة السومرية (1900 - 4500 ق.م)، وكذلك الأوراق الهيروغليفية مع الحضارة المصرية القديمة، وهكذا تطورت الكتابة مع مرور الوقت لتتحول إلى نصوص لها طابع ديني وفلسفي ورياضي وفلكي، لتتطور بدروها هاته النصوص حيث ظهرت العلوم القديمة، في مختلف المجالات كعلم الطب والفلك والتنجيم وكذلك علم الحساب والهندسة، إلا أن هذه العلوم لم تكن دقيقة بشكل كبير، كما أنها لم تتعمق في التجربة بشكل كافي و وافي، فلم يشكل ذلك سوى جزء بسيط من الحكمة الدينية والفلسفية، وكانت في بعض الحضارات ميالة إلى السحر والشعوذة، لكن الأمر المعلوم والمفهوم هو أن العلوم القديمة التي عرفتها الحضارات الشرقية القديمة كانت علوماً جيدة جداً، أي بمعنى آخر رغم عدم دقتها بشكل كبير إلا أننا لا يمكننا أن ننكر أهميتها ونتنكر عليها.
وجدير بالذكر أن الحضارات الشرقية القديمة التي شهدت هذا العلم القديم، كالحضارة المصرية القديمة وحضارة بلاد الرافدين والحضارة الكنعانية (يهودا وفينيقيا)... قد إهتمت بالعديد من المجالات العلمية، فمثلا الحضارة المصرية القديمة إهتمت وأبدعت في الهندسة وعلم الفلك والطب، كذلك بالنسبة لبلاد الرافدين الاي إهتمت بعلم الفلك والحساب، وهم أول من نظم الوقت بالصورة التي نعرفها اليوم بتقسيم السنة إلى إثنا عشرة شهراً حسب أوجه القمر، ووجدوا من المنطقي تقسيم اليوم إلى فترتين الليل والنهار (الليل إثنى عشر ساعة والنهار إثنى عشر ساعة).

ختاماً يمكن القول أن العلم القديم كباقي المكتشفات ابتاريخية القديمة، قد مر عبر مسار تطوري سيروري تاريخي من حضارة لأخرى ومن عصر لآخر، وصولاً إلى الحضارة الإغريقية، هذه الأخيرة التي ستزدهر على أيديها العلوم، خاصة مع الإمبراطورية اليونانية والرومانية فيما بعد، لتصبح أكثر إشعاعاً خلال العصر الهيلينيستي، التي سينتقل مركز الحضارة فيها من أثينا إلى الإسكندرية، لتصبح أكثر أصالة وتطوراً في عهد مملكة البطالمة مع الإسكندر الأكبر سنة 323 م، وبالتالي الأمر الذي لا يمكن أن نختلف فيه هو أن اليونانيين هم من وضعوا النسق الفلسفي.
ومن وجهة نظري الخاصة والمتواضعة أقول أن جميع الخصائص الفكرية للفكر الشرقي القديم التي سبقت الفكر اليوناني وخاصة الفكر العلمي، كانت لها مساهمة عظيمة، ولو بشكل خفي غير مباشر، لا يرقى إلى درجة العلوم الحديثة، في تطور الفكر اليوناني، ونشوء الفلسفة هناك في بلاد اليونان.
حمزة كدة

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/