ما الميتافيزيقا ؟ بقلم الطالب : زكرياء الساسي | فيلوكلوب

فيلوكلوب يوليو 26, 2019 سبتمبر 14, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


  • ما الميتافيزيقا ؟
  •  بقلم الطالب : زكرياء الساسي، -  طالب باحث بشعبة الفلسفة - جامعة ابن طفيل بالقنيطرة(المغرب)




كثيرة هي  المصطلحات و المفاهيم التي يصعب فهمها  للوهلة الأولى، والتي تستعصي على الذهن، لأنه لم يتعود على سماعها أو استعمالها، ومن الأمثلة على ذلك:  التيولوجيا أو الكسمولوجيا أو الانطولوجيا أو الميتافيزيقا، وهذه الأخير هي مدار مقالنا هذا،  فما هي الميتافيزيقا؟.

بداية الميتافيزيقا :

إن الإرهاصات الـأولى للميتافيزيقا كانت في المرحلة الهلينية في تاريخ الفلسفة أي قبل سقراط، و يمكن القول أنها بدأت مع الفيلسوف هرقليطس و الفيلسوف بارمنيدس، الذين قال عنهم فريدريك نيتشه "هذين فيلسوفان الذين بدأ"، حيث كان تناقض قائم بين هراقليطس و بارمنيدس عن طبيعة الوجود أو جوهر الوجود، فهرقليطس كان يرى أن الوجود على صيرورة دائمة، و ليس هناك ثبات بل كل شيء على حركة و تغير. على نقيض هذا الموقف نجد بارمنيدس الذي يقول بالثبات و ينفي الحركة و التغير، و يقول أن الوجود على ثبات دائم أما الصيرورة فمجرد وهم. ورغم كل هذا فلم تظهر بشكل دقيق إلا في العصر الهلستيني، مع العلم أن لا فيلسوف يوناني استعمل كلمة أو مفهوم الميتافيزيقا.
و بعد هذا نجد الاب الروحي للميتافيزيقا أرسطو الفيلسوف اليوناني الذي أصل العلوم، و رغم أن أرسطو كتب في هذا المجال كثيرا،ً إلا أنه لم يطلق اسم ميتافيزيقا ابداً فكان يستعمل في بحوثه التي تتعلق بالميتافيزيقا أحياناً اسم الفلسفة الأولى و احياناً كان يطلق عليها الحكمة و احياناً اخرى كان يطلق عليها الالهيات، فالذي أطلق لفظة ميتافيزيقا هو تلميذ أرسطو الاندرونيقوس الرودسي والرئيس الحادي عشر للمدرسة المشائية في روما، و هو الذي قام بترتيب كتب أرسطو، و بدأ بالكتب الطبيعة. ثم اتت الكتب التي لها علاقة بالميتافيزيقا. وبعد  ذلك الكتب الطبيعة. و لهذا يتم ترجمتها (الميتافيزيقا) إلى ما وراء الطبيعة أو ما بعد الطبيعة، (ما بعد meta - ميتا) و (فيزيقا physics -  أي علم الطبيعة).

موضوع الميتافيزيقا

و تقوم الميتافيزيقا على دراسة جوهر الوجود و ماهيته و ما يترتب عن هذا الوجود، فهي لا تهتم بالأجزاء كما تفعل العلوم الأخرى التي تختص في الدراسة أجزاء من هذا الوجود، و تنقسم إلى أجزاء و كل جزاء يدرس عنصر محدد، بل تتجاوز الإدراكات الحسية و ما يترتب عنها لتتجاوز المادة و أعراضها لتنتقل الى ما هو متعالي عن الحس، فهي تهتم أساساً بالوجود و ملحقاته و الخصائص الأساسية لهذا الوجود: الجوهر و العرض و الثبات و التغير و الحركة و الزمان و المكان و النفس... بالإضافة إلى وجود الله و صفاته و أحواله...إلخ، و هذا صنف يدخل ضمن الإلهيات و هو فرع من ميتافيزيقا.

المشكلات الميتافيزيقا :

أن مشكلة الميتافيزيقا كمبحث فلسفي تكمن في عديد من المشكلات،  فنجد اولاً مشكلة صعوبة الفهم، فالميتافيزيقا تبدو غامضة و ليست سهلة الفهم و الاستيعاب و تحمل نوع من الغموض في تناول قضاياها، و يمكن ربط هذا ايضا باللغة التي يعتمد عليها الفيلسوف في التعبير عن القضايا الميتافيزيقية، هذا من جهة، ام من جهة أخرى نجد الإشكال الكبير الذي تتناوله الميتافيزيقا و هو إشكال حقيقة الوجود، فهل حقيقة الوجود فيما يظهر عليه أم فيما لا يظهر عليه، باعتبار أن ماهية الوجود تتمثل في تخفي و عدم ظهور للعيان و أن كل ما يظهر ليس الحقيقة و إنما مجرد الأعراض، والتي تتغير من حين لآخر، ثم هناك مشكلة اخرى و تكمن في العلاقة بين الجوهر و العرض فما هي العلاقة بين الجوهر و العرض؟ هل هي علاقة تكامل ام هي علاقة صراع؟ تبرز لنا صورة الوجود فيما يظهر لنا؟، و هناك مشكلة أخرى و تتعلق بالمبحث الابستيمولوجيا: فهل يمكننا فعلاً معرفة حقيقة هذا الوجود الذي يظهر لنا؟ أي بصيغة أخرى هل انسان مؤهل لمعرفة الوجود و خصائصه؟ و طبعاً، فالإشكالات الميتافيزيقا كثيرة و عديدة و تتعلق ايضا بالعلوم الأخرى، فالميتافيزيقا ليست منغلقة بل منفتحة على العلوم رغم ادعاء العلوم أن عهد الميتافيزيقا قد انتهى.

الميتافيزيقا عند بعض الفلاسفة (أفلاطون-ارسطو-ديكارت)

-الميتافيزيقا عند افلاطون.
نجد هنا تصورا افلاطونيا للميتافيزيقا، فأفلاطون يقسم العالم إلى عالميين العالم الواقع و العالم المثل (نظرية المثل عند افلاطون)، فالواقع يتميز بالظن و التغير و الحركة، عكس عالم المثل الذي يتميز بالحقيقة و الثبات، و يعتقد أفلاطون  أن كل ما نراه في الواقع ما هو إلا صور و انعكاسات للأشياء الحقيقية الموجود في عالم المثل، ثم يضيف انه لا مكننا أن نثق بما يتغير و يتحول لأنه ليس موضع ثقة، فالعلم هو الذي يقدم لنا حقائق ثابتة تتصف باليقين. و يقسم أفلاطون الوجود الى أربعة أقسام القسم الأول عالم المحسوسات، و ينقسم إلى قسمين عالم الظلال و الخيالات و الانعكاسات ثم الأشياء الجزئية المحسوسة نفسها، اما القسم الثاني فهو العالم المعقول وينقسم إلى الموجودات الرياضية و عالم المثل.

-الميتافيزيقا عند أرسطو.
قلنا سابقاً أن الميتافيزيقا قد ظهرت مع أرسطو رغم انه لم يطلق هذا اللفظ، فالميتافيزيقا عنده هي العلم الكلي و العام الذي يضم كل العلوم أخرى، فهي أرضية أساسية للقيم العلوم المختلفة، و لهذا كان يعرفها بالعلم الوجود بما هو الوجود، أي العلم الذي ترجع إليه كل العلوم و الذي يهتم بالحقيقة ذلك الوجود، فإن كانت الفيزياء تهتم بالمادة فإن الميتافيزيقا تهتم بالصورة الحقيقية لتلك المادة، و من هنا يقسم أرسطو الوجود إلى قسمين، الوجود الحسي الحركي و الوجود الميتافيزيقي المتعالي أي المفارق للمادة.

-الميتافيزيقا عند ديكارت.
مع رونيه ديكارت انتقلت الميتافيزيقا من الانطولوجيا إلى الابستيمولوجيا، أي أنها أصبحت مرتبطة أكثر بنظرية المعرفة و ليس بنظرية الوجود. فديكارت لم يعد يهتم بالوجود أكثر مما يهتم بالذات باعتبارها المصدر الرئيسي للمعرفة. و يتفق ديكارت مع أرسطو في جعل الميتافيزيقا أساس لكل العلوم، إلا أنه يختلف معه في تحديد تعريف الميتافيزيقا إذا يعرف ديكارت الفلسفة ككل بكونها الشجرة التي جذورها الميتافيزيقا، و جذعها الفيزيقا و الفروع التي تخرج عن هذا الجذع نجد على رأسها، الطب و الميكانيكا و الأخلاق.

الانتقادات التي وجهت للميتافيزيقا :

بعد كل ما توصل إليه العلم اليوم من تطور في جميع المجالات و ما حققه من تقدم هائل تتوجه أصابع النقد نحو الميتافيزيقا، باعتبارها دون جدوى، أو أن زمنها قد انتهى، الزمن الذي كانت فيه ملكة على عرش العلوم، و هناك من اعتبارها مجرد هراء يتم تضيع الوقت في الانخراط على الإجابة عن الأسئلة لا يمكن بأي شكل على العقل أن يجب عنها مهم طال الزمن، و من الفلاسفة الذين هاجموها واعتبروها مجرد نقاش لا قيمة له، نذكر الفيلسوف وليم جيمس الذي شبه  الفيلسوف الميتافيزيقي بالأعمى الذي يبحث في حجرة مظلمة، عن قطة سوداء، لا وجود لها '.  و لم تسلم الميتافيزيقا حتى من الفيلسوف فولتير الذي قال " إذا رأيت اثنين يتناقشان في موضوع ما، و لا يفهم أحدهما الآخر، فأعلم أنهما يتناقشان في الميتافيزيقا ".
و واضح أن ما تعرضت له ملكة العلوم كما يصفها كانط راجع للهوس الذي تركه العلم في نفوس بعض الباحثين و حتى الفلاسفة أنفسهم، إلا رغم ذلك تظل الميتافيزيقا محتلة مرتبة أعلى في تصنيف العلوم و هي قلب الفلسفة النابض، و هي التي تجيب عن الأسئلة ذات المعنى.

المراجع المعتمدة

1_مدخل إلى الميتافيزيقا أمام عبد الفتاح أمام.
2_مقالة الألفا الكبرى لأرسطو.

مع تحيات موقع فيلوكلوب

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/