- أزمة الحضارة الغربية عند إدغار موران عبد الكامل نينة
- عبد الكامل نينة – الجزائر
لا يختلف إثنين اليوم على أن ما بلغته الحضارة الغربية
من تقدم وتطور في شتى مجالات الحياة، فالحضارة الغربية اليوم بلغت ان صح التعبير
حدودها في الترف والرفاهية، يتجلى ذلك في التقدم التقني والتكنلوجي الذي توغل
وساعد في رفاهية جل مجالات الحياة الاجتماعية، من خدمات طبية، كذا الخدمات
المنزلية، كذا الاجتماعية... وغيرها الكثير الذي لا يمكن حصره، إلا ان هذا التقدم
أدخل الإنسان الغربي في متاهات عميقة لا يكاد يدرك انه يعاني منها، واذا أراد أي
ناقد للفكر الحداثي أو الحضارة الغربية، تلخيص متاهات أو سلبيات هذا الفكر أو هذه
الحضارة، سيلخصها في عاملين رئيسيين، مرتبطين ببعضهما، وهما:
عامل تقديس أو تسييد العقل، وعامل اللاأخلاقية، واللذان
يتجليا في عناصر الحداثة المتمثلة في العقلانية والذاتية والحرية.
يقول ادغار موران: " ينبغي لنا تحديد معنى الازمة
والخروج من تعدد استعمالاتها، أزمة التقدم، أزمة الزواج، أزمة الحضارة، أزمة
المراهقة والتي تشير غالبا الى الانكسار داخل الاتصال او حصول نسق داخل نسق كان
يبدو ثابتا"[1] يذهب موران الى التأمل في الاستعمالات الشائعة
ويبين ان الازمة في معناها المستعمل ينحصر معناها في المشكلة التي حدثت في اتصال
ما بين طرفين او مجتمعين، او هي زعزعة لنسق كان ثابت، فأصبح في طريقه الى التفكك
او ما الى ذلك.
ينفي ادغار موران هذا المفهوم عن الأزمة التي يتكلم عنها
ويؤكد " ان الازمة قد أصبحت نمط وجود مجتمعاتنا، وفكرة كون التقدم يحمل في
نفسه خاصية ازماتية: ففي ثنايا تطوره المغير والمتسارع ينطوي تقدم الأمم على
عمليات الفساد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فالتقدم لا يحدث فوق أساس ثقافي
وحضاري ومجتمعي، بل ان التقدم منفصل عن عملية تحطيم لهذا الأساس، ولهذا المجرى
المنشئ للفساد وإعادة بعث النظام هو خاصية هذا البعد الأزمات"[2]
من خلال هذا القول يمكن التأكيد ان التطور الغربي
والحياة السعيدة التي هو عليها، هي بحد ذاتها الأزمة التي يتحدث عنها الفيلسوف
إدغار موران، فالأزمة هنا تعبر عن الترف لا عن المشكلة، لان البعد الذي يكون فيه الأزمة
هو البعد القيمي لا الاجتماعي او الثقافي او الاقتصادي، فالحضارة الغربية وعلى
مقدار السعادة التي تعيشها إلا أنها على بعد مخيف عن القيم الإنسانية والفراغ
الروحي، أين أصبح الفرد لا قيمة له كذات إنسانية. ويؤكد ادغار موران هذا في قوله
" ان ازمة القيم هي احدى الجوانب المتعدد لكيان المجتمع الغربي الذي يبدو
كيانا مأزوما، وهو مجتمع تهدده الأزمة كما أنها تغذيه"[3]
ويضيف ادغار موران في تمييزه للأزمة، في حالة التقدم
ارتباطا بالتقهقر يقول: "لا يتعلق الأمر هنا بتقويض فكرة التقدم بفكرة
التقهقر، أي بإحلال تبسيط مكان آخر. بل العكس، يتعلق الأمر بالنظر أخيرا إلى فكرة
التقدم على أنها فكرة مركبة. ومن أجل تحقيق ذلك يجب هدم فكرة تقدم بسيط، مضمون،
ويسير في اتجاه واحد، والنظر الى التقدم على انه متقلب في طبيعته متضمن لتقهقر
كامن في مبدئه ذاته، تقدم يعيش اليوم أزمة على مستوى كل مجتمع، وبطبيعة الحال على
مستوى مجموع الكوكب"[4]
الهوامش:
(1) ادغار موران: إلى أين يسير العالم، ص24.
(2) المصدر نفسه، ص25.
(3) نفسه.
(4) المصدر نفسه، ص36.
مع تحيات موقع فيلوكلوب
0 تعليقات