يذهب مجموعة من مؤرخي الفلسفة إلى أن نشأة الفلسفة كانت ببلاد اليونان خلال القرنين السادة والخامس قبل الميلاد، نظرا لتوافر مجموعة من الشروط. ولذلك سميت الفلسفة الأولى بالفلسفة اليونانية أو اللحظة اليونانية من تاريخ الفلسفة.
فما هي الشروط والعوامل التي ساهمت في ظهور ونشأة الفلسفة ببلاد اليونان؟
عوامل ظهور الفلسفة عند اليونان :
كانت الفلسفة الطبيعية التي اشرق بها فجر الفلسفة ثمرة لفترة من أكثر فترات التاريخ الإنساني ازدهارا ونضجا، وتعبيرا عن طبيعة تركيب بنية المجتمع اليوناني في ذلك العصر. ولذلك ينبغي أن نلجأ في البحث عن نشأتها إلى العوامل التاريخية والاجتماعية والجغرافية والفكرية التي حركت حياة اليونان، وأحاطت بها في تلك الفترة .
1 - من الناحية التاريخية :
كان قد تم للأمة اليونانية مقومات وجودها فيما بين القرنين الخامس عشر والتاسع قبل الميلاد، وذلك بعد أن تم اندماج القبائل المختلفة التي استقرت في شبه جزيرة «المورة»، وانتشرت في «البلقان» وجزر «بحر ايجه» وساحل «آسيا» الصغرى الغربي وجنوب «ايطاليا» و «صقلية» وهي المناطق التي اطلق عليها اسم بلاد اليونان الكبرى.
وكان العمل في استخراج المعادن، واكتشاف الحديد، وتعميم صناعته وصهره في ق 9 ق.م بمثابة ثورة اقتصادية كبرى ساعدت على سرعة تطور المجتمع اليوناني اقتصاديا الى جانب التجارة والزراعة، كما نشطت في المدن الساحلية مثل «ملطية» و «ساموس» صناعة النسيج والمعادن، فعظم ثراء تلك المدن، وارتفع حظها في مدارج الحضارة والفكر تبعا لذلك.
2 - من الناحية السياسية:
فقد شاهدت المدن اليونانية خاصة ابتداء من القرن السادس قبل الميلاد تطورات سياسية في غاية الأهمية، إذ لم يعد النظام «الأوليجارشي» الذي كان يولى الحكم للنبلاء من أصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة يناسب التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي دفع بطبقة جديدة من أغنياء التجارة والصناعة الى مراكز القوة والسلطان، وجعل نفوذ الأسر الأرستقراطية النبيلة يتضاءل الى جانبها. فبعد ان كانت السلطة تتركز في يد رؤساء وشيوخ القبائل الكبيرة الذين يستمدون قوتهم من تضامن اسرهم وقوتها، آلت السلطة إلى أفراد لا يحكمون «بحق الهي» أو «وراثي» أو « أسري " بل بتفويض وثقة من مجموع المواطنين، فوضعوا تشريعات ديمقراطية، واستفادت من تلك التجارب مدينة «اثينا» فيما بعد القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، في حين ظلت «اسبرطة» مغلقة النوافذ، محافظة على نظامها العسكري، فكانت ظاهرة جمود في تاريخ اليونان وحضارتها.
3 - من الناحية الفكرية :
ساير التطور السياسي والاقتصادي الذي شاهدته المدن اليونانية نهضة فكرية عظيمة أثمرت الفلسفة، والعلم، والأدب، ومن اسباب هذه النهضة تبسيط «الأبجدية» اليونانية بحيث أصبحت القراءة والكتابة ميسورة، فكان من نتائج ذلك أن دون شعر الحفلات الدينية وجمع في ملاحم اهمها «الالياذة»، و «الأوديسة» المنسوبتان لـ «هوميروس» في القرن الثامن ق.م .
وهكذا سبقت المعجزة الأدبية ظهور الفلسفة عند اليونان . وكما جاءت الاداب والفنون اليونانية مشبعة بالمعتقدات الدينية والأساطير القديمة؛ فقد جاءت مذاهب الفلاسفة الأوائل هي الأخرى متأثرة الى حد كبير بهذه الناحية في تصوراتها وتفسيراتها للكون والحياة.
4 - من الناحية الجغرافية:
نجد العوامل السابقة قد تفاعلت جميعا على أرضية ساعدت بموقعها على اغناء التجربة الثقافية وإخصابها. فشبه الجزيرة اليونانية تقع على حافة العالم الغربي، وتطل على البحر المتوسط (مهد الحضارات) متوسطة بين الشرق والغرب، وهي تتألف من عديد من الجزر تتفاوت في مساحتها وخيراتها وطبيعتها، قد نشأت عليها مدن تكاد تكون دولا صغيرة، حيث أصبح لكل نظامها وقوانينها وتشريعاتها. ومن الممكن القول بان حضارتي الشرق والغرب لم تلتق على ارض اليونان القديمة فحسب، بل منها ايضا قد تدفقت ينابيع الحكمة والفلسفة الى الشرق والغرب معا.
المرجع:
مقرر الفكر الإسلامي والفلسفة للسنة السادسة ثانوي، مكتبة المعارف 1984
0 تعليقات