نادي الفلسفة | نظرية الحوار والممارسة عند "زيجمونت باومان" بقلم سلامة عبيد الزريعي

فيلوكلوب أغسطس 28, 2019 سبتمبر 02, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: سلامة عبيد الزريعي: نظرية الحوار والممارسة عند "زيجمونت باومان"
-A A +A

نظرية الحوار والممارسة عند "زيجمونت باومان[1]"


بقلم، الباحث: سلامة عبيد الزريعي



تشكل الظروف الدولية الراهنة ميدانا رحبا للصراع الفكري والتنظير بمختلف أشكاله، وفي ظل حالة الفوضى، وعدم الاستقرار والفوضى، تباينت آراء الفلاسفة والمفكرين، للخروج بما يرضي الأطراف المتصارعة  وغيرهم من ذوى الاختصاصات المختلفة والمتعددة بتصور مشترك يقبله الجميع. وفي ظل هذا المناخ والسياق برز عالم الاجتماع والفيلسوف البولندي المعاصر "زيجمونت باومان"Zygmunt-bauman (1925م ـــ2017م)، متخذا موقفا نقديا من الحداثة الغربية.
تعد نظرية الحوار والممارسة التي قدمها "باومان"، أحد إسهاماته ـــ تصوراته ـــ الفكرية في الكتاب الموسوم" عن الله والإنسان"[2] وهو بمثابة حوار بين تصور عالم اللاهوت المسيحاني الذي يمثله "أوبيرك" وبين التصور البروميثي الإنساني الذي يمثله "باومان"، بما ينسجم مع رؤيته للواقع المتغير اللايقيني، إدراكا منه بأن مرحلة ما بعد الحداثة، ما هي إلا مرحلة زمنية، عبر عنها بمرحلة الحداثة السائلة.
 "باومان"... هو من سَكّ مصطلح الحداثة السائلة ــ فكرة السيولة ــ لوصف الطبيعة المتقلبة والمتغيرة دوما لحياة ما بعد الحداثة. نتيجة ملاحظاته للعلاقات الشخصية، والهويات، والاقتصاد العالمي في المجتمع الحديث...
 يلعب الحوار في هذا الجو دورا مهما في حياة الإنسان، وهو زمن يستدعي إتقان الحوار وممارسته، في حياة الأمم، والدول، والبشرية جمعاء، والقدرة الإنسانية على إجادته بفن لائق وأسلوب راق بعيدا عن التشنج والتمركز حول الذات والقناعات الشخصية، نحتاج إليه بدرجة تفوق أي زمن أخر في التاريخ.[3]
كيف نظر "باومان" للحوار كممارسة فعلية ؟ وهل يستوي الحوار كواجب بما يقابله من حوار اعتقادي ؟ وهل الحوار يوصل إلى المبتغى المشترك بين المتحاورين دون عوائق ؟  

1. الواجب الحواري:
يعد/ يشكل/ الوعي بموضوع الواجب الحواري في بداياته عملية نضالية من أجل الاعتراف بالحوار كواجب، والسماح له بدخول الساحة العامة، لكونه الآن يشغل مكانا بارزا ويلعب دورا حيويا، وصار شائعا اليوم تماما، وما زال ينتشر ويتوغل بسرعة، وقد اكتسب في الآونة الأخيرة زخما غير مسبوق، وحظي باهتمام عام قوي، لما يقتضي الحذر من أخطار انهيار التواصل بين "القبائل والكنائس والنخب الثقافية والعامة"[4]
·                       الحوار المرن:
يرتكز الحوار المرن على منطق الحوار غير المتحيز وغير المتحامل وعلى الحوار المفتوح، والحوار المتعاون، في "مقابل الحوار الاقتناعي"، باعتباره الطريق العظيم الإنساني السلمي النافع[5]. يتجلى الحوار المرن في قبول الآخر ومحاشاة التمركز وراء الدفاعات  الشخصية والقناعات الذاتية، فمن أراد الحوار فعليه أن يقلل من دفاعاته وأن يفتح أبواب بيته، وأن يتكرم بالدفء الإنساني.... فأعظم قادة للبشر هم من تركوا مجالا للشك، فلا يمكن تأسيس النمو الحقيقي في الوعي البشري إلا بممارسة الحوار والحب"[6]،
"قوة البشر المبدعين تكمن في إبداء الشك في كل خطاب، أو فكر أو جزم أو عرض بزعم أنه الطريق الممكن الوحيد، فهناك دوما طرق أخرى، وهناك دوما إمكانيات أخرى"[7].
إن الاقتناع بأحد الفرق أو الطوائف وبأننا نفعل أفضل شيء في حياتنا ونشعر بالإحساس نفسه عندما نتركها، نجد أن الاختلاف بين العالمين اللذين عشناهما يستدعي مقارنة هذين العالمين ووضعهما في مواجهة مباشرة، وعندها نتأمل من اجل التدبر وتسوية الاختلافات بين مسارات الحياة في هذين العالمين، عندها نؤمن بأن هناك بدائل لما يحدث ولما قد يحدث بالفعل.
"الاختلاف بين العالمين اللذين عاشهما "أوبيرك" و"باومان" كان مثيرا لهما بشدة حتى أنهما قررا مقارنة هذين العالمين ووضعهما في مواجهة مباشرة... وعندما تأمل كل منهما الماضي من اجل التدبر وتسوية الاختلافات بين مسارات حياتهما في هذين العالمين، آمنا بأنه كان هناك بدائل لما يحدث الآن ولما قد حدث بالفعل".[8]  
وقد أدرك "باومان" ذلك، وحاول أن يوضحه بعد مرور عشرين عاما عند بداية حواره مع "أوبيرك" عن الله والإنسان، قائلا: "إننا سجلنا همومنا الروحية، وآمالنا بقهرها، ورؤانا لتزكية النفس، في أطر فكرية مختلفة، وأما منطق السبل التي نسلكها، بل وربما تجاربنا في رحلاتنا عبر الحياة، فإنها متشابهة بصورة مذهلة... فقد انطلقنا من نقاط مختلفة، لكننا انتهينا إلى المكان نفسه"[9]. فهذا المنطق يتنافى مع الوعي بالحوار والأخذ به كنهج.

2. عوائق الحوار
كثيرة هي العوائق التي تعترض سبل الحوار في إبحاره، وتحول دون سهولته وسلاسته وسكينته في زماننا، وهو زمن يستدعي إتقان الحوار وممارسته بدرجة تفوق أي زمن آخر في التاريخ البشري[10]. وهذه العوائق ناتجة عن الحوار الاعتقادي. والوقوع في فخ الالتزام بحقيقة واحدة ووحيدة باعتبارها شرطا أساسيا للسلام والتضامن والتعاون بين البشر.
·                       الحوار الاقتناعي:
يقوم هذا الحوار على منطق السبل الذي يتنافى مع الوعي بالحوار والأخذ به كنهج بعيدا عن منطق الحوار المرن. يتمركز أيضا وراء الدفاعات الشخصية والقناعات الذاتية، شديد التصلب، والانغلاق، وعدم الإشعار بالدفء أثناء الحوار، ولا يترك مجالا للشك، ولا يؤسس للنمو الحقيقي في الوعي البشري، ولا يعطي مجالا لطريق آخر[11]. يكمن هذا المنطق في الطرق التي نسلكها بل وربما في تجاربنا، وفي رحلاتنا عبر الحياة، فإنها متشابهة بصورة مذهلة... فالانطلاق من نقاط مختلفة قد ينتهي إلى المكان نفسه".

3. قيمة الحوار:
يضفي الحوار على الرغبات...وجها إنسانيا ولو أن وجوها أكثر لها، ومهما تعددت الوجوه وكثرتها، فالحوارات المختلفة عن التجارب الماضية تقلل من الندوب والآثام[12]. فالحوار يحفزنا على الدراية الصلبة والصحيحة بالجانب الآخر، فالإنسان قادر ولكننا إلى حد ما نعلم كثيرا عن ذلك، وغالبا ما لا نتحدث عن ذلك بما يكفي. فليس ما يقدر الإنسان على فعله هو ما يشغل اهتمامنا، بل عيوبه وأخطاؤه وآثامه، وتلك الندوب التي يصعب للغاية نسيانها[13].
  يربط "باومان" بين قدرة الإنسان ومسؤوليته، فالإنسان قادر في واقع الأمر، ولكن في حدود، إننا لسنا آلهة في نهاية المطاف. ولكن في هذه الحدود ليس الإنسان قادراً وحسب، بل ينبغي أن يكون قادراً، ومن أجل تحقيق ذلك الواجب الحواري على الوجه اللائق، لابد أن يتحمل الإنسان المسؤولية، بصرف النظر عمّا إذا كان سيجد الله أو ينكر وجوده[14] . ص 63 
وفي الختام نستنتج بان الحوار المثمر يقوم على الحوار المرن، والحب، والشك، كلها أعمدة يستند عليها الحوار الهادف بغية تذليل العقبات والعوائق بين المتحاورين على تباين أجناسهم واختلاف اعتقاداتهم، سواء كانت من الأمم أو الدول أو البشر على اختلافهم وسجاياهم. وعليه فان،
"الحوار هو أسلوب الاجتماع البشري بمنافعه ومخاطره وفخاخه على السواء، وان كان سيفي بوعده في أغلب الظن، وربما يعد بحياة أكثر راحة، ولكنه يعد بحياة أكثر وعيا وضبطا للنفس، وبحياة تفيد في فهم أفضل للذات"[15].



[1] زيجمونت باومان (1925م ـــ 2017م )، احد علماء الاجتماع والمفكرين الغربيين المعاصرين، عاش متنقلا قبل أن يستقر في انجلترا منذ العام 1971م عقب إرغامه على الخروج من بولندا في عملية تطهير نظمها البوليس السري الشيوعي. غادرت عائلته للاتحاد السوفيتي بعد الغزو الألماني عام 1939م. اتخذ موقف نقدي من الحداثة الغربية... وقد كان أكثر المنظرين الاجتماعيين، وتميز بإنتاجه الفكري المميز، ناشرا 57 كتابا وأكثر من مائة مقالا معظمها تتناول تيمات شائعة كالحداثة، وما بعد الحداثة، وحول الاستهلاك، والثقافة ، والشر، والخوف، والحرية، والرقابة، والأخلاق، وفن الحياة...، وهو من سك مصطلح الحداثة السائلة لوصف الطبيعة المتقلبة والمتغيرة دوما لحياة ما بعد الحداثة.
[2] زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان، تر، حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2018م
[3] زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان مصدر سابق
[4] يرجع الفضل في التحذير من أخطار انهيار التواصل بين القبائل والكنائس والنخب الثقافية والعامة إلى التأثير الشخصي للبابا فرانسيس، حينما كان أسقفا ارجنتينيا يحمل اسم "خورخي ماريو بير جوليو".
[5] زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان، تر، حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2018م
[6] المصدر نفسه، "رسالة البابا فرانسيس،  نشرها عام 2010م بعنوان "فوق السماء والأرض".
[7] المصدر نفسه،  "رسالة البابا فرانسيس  السنوية للجان التعليمية" بتاريخ 9 نيسان / ابريل 2003م.   
[8] زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان، مصدر سابق
[9] المصدر نفسه
[10] المصدر نفسه
[11] المصدر نفسه
[12] المصدر نفسه
[13] المصدر نفسه
[14] المصدر نفسه
[15] المصدر نفسه


بقلم: سلامة عبيد الزريعيباحث في الفلسفة

مع تحيات نادي الفلسفة




شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/