نَحْوَ تَحْرِيــرِ اَلْفَلْسَفَـة.
اذا كانت الفلسفة كما
نسمع دائما في خدمة الانسان، فلماذا فكر النخبة لماذا غطرسة الفكر النخبوي الإقصائي
؟؟
انها لَإحدى اكبر
المآسي الإنسانية ان يكون الشيء الذي ندعي دوما انه في خدمة الإنسانية شكلا اقصائيا
، نوعا من العصبية ونوع من التعالي. لماذا النخبة اذن؟ الاشكال ليس في طبيعة
الفلسفة بل في كيفية تقديمها للعامة كشيء غامض مجهول حري بالمرء ان لا يقربه ان
أراد سلامته ، وبمنطق النخبة هذا فنحن غير متساوون حتى في اعدل قسمة بين الناس كما
يدعي المشتغلون بالحقل الفلسفي او بالأحرى الذين يؤمنون بفكر النخبة هذا المرض
العضال الذي يهدد مستقبل الفكر البشري.
الفلسفة في طبيعتها
ترفض فكر النخبة ولكن العقل اللاأخلاقي لمن نرمز لهم بالنخبة هو الذي عمل على
تعميق هذه الازمة هو الذي اوهم العامة والمشتغلين بالفلسفة على السواء بأن الغموض
سمة إيجابية ..الا يمكننا ان نكتب شيئا واضحا او على اقل جهد ان نشرح شرحا واضحا
لا ان نشرح الغامض بما هو اغمض منه.
عندما كنت في الأولى باكالوريا
كنت احب الشعر كثيرا وكانت لي محاولات شعرية كثيرة بالقياس الى مستواي وكنت حينها
اقدم شعري في الإذاعة المدرسية وحدث ان سألني مجموعة من الأصدقاء بحكم المراجعة وبحكم اننا ندرس دراسة نقدية للشعر القديم ما هو
الشاعر الفحل فقلت الصنديد تبرم مني الأصدقاء وقد شرحت شيئا غامضا بما هو اغمض منه
ادركت انه خطأي وأنه لم تكن لدي القدرة على الايضاح والافهام وهذا عيب في وليس في
فهم أصدقائي الذين لم اجد فرصة الاعتذار منهم لأني كنت اعتز بقدرتي على قول
الأشياء الغامضة لسوء الحظ اكتشفت ذلك متأخرا .
هذا تمامه ما حدث مع
عبقري اللغة الشعرية ابي تمام حين قال
اهن عوادي يوسف
وصواحبه***فعزما فقدنا ادرك السؤل طالبه
فقيل له لم لا تقول
ما يفهم
وأجاب ب لم لا تفهم
ما يقال
من باب الواقع وليس
من باب المس بعبقرية ابي تمام اللغوية وبحكم انه كان في موقع الالقاء تقع عليه
مسؤولية الافهام كونه مرسلا ، ولكن من باب الاعتداد بالذات اختار المقاعرة في
الكلام .
هذا كله اشبه بمسألة
الغموض في الفلسفة ، ويبدا تكريس توظيف الغموض انطلاقا من الدرس الفلسفي واضافة مادة الفلسفة الى المقرر الدراسي في فترة
متأخرة جدا – الجذع المشترك- وعدم دمجها على الأقل بمادة التاريخ قبل تلك المرحلة
بعام او عامين، وطريقة اشتغال الدرس الفلسفي تفشيل لنجاعته وبلوغه المتلقي والتأثير
فيه. اذ تقدم الفلسفة كمساءلة منهجية للنصوص تحكم عليها بالآلية وتقتل فيها عناصر
الحيوية وعناصر الابداع ، لعامين متتاليين وانا ادرس ان الكوجيطو تعبير على كل مواقف ديكارت في كل المحاور التي
يضمها المقرر الدراسي وان الضمير الأخلاقي تعبير على كل مواقف كانط وهكذا ...وهذه
من علامات الجمود الذي يحكم طابع تقديم الدرس الفلسفي ..هل يمكن استخراج موقف
فيلسوف الف الكثير من الكتب من نص تعرض لتصرف المؤلفين ؟! هذا لا يقبله عقل.
واذا كانت الفلسفة
كما هو معلوم اشتغال بالمفاهيم فإنه من الضروري إعادة النظر في استعمالات كل من
مفهومي ( الاشكال و الاطروحة )في الدرس الفلسفي.
فأقول ان الفلسفة
ليست حرة ولنتحدث عن المغرب خاصة ، وعلى الأقلام الفلسفية الحرة ان تعمل على
تحريرها وهذه مسؤولية الشباب الفلسفي ، تقع على عاتق كل طالب في شعبة الفلسفة وتقع
على عاتق كل محب للفلسفة هذه المسؤولية الشديدة. ان تتحرر من اكاديمية افلاطون وان
تكون الفلسفة للجميع ، مسألة حرية الفلسفة هذه تذكرني بأستاذ لي في المرحلة
الثانوية انا اجله واقدره كثيرا لكن فكره كان نخبويا بامتياز كان فكرا متعاليا عن
العامة حتى انه يعاملنا وفقا لمعاييره وليس وفقا لمعايير مستوانا وقف يوما يحاضرنا
عن الحرية والفكر الحر ولما اردت ان اناقشه في الفكرة مع انزياحي عنها وشيء من
الهروب من افقها الذي يرسمه لنا، قد انفعل واسمعني كلاما قاسيا دكتاتوريا ودونت في
مفكرتي ما مضمونه ان أي شخص او جهة تدعو الى الحرية فهي تدعو الى حرية محكومة بأفق
مصالحها وغاياتها .. لهذا فان النخبة تقدم لنا الفلسفة على انها حرية وتحرر ولكن
بما ترسمه من افق لهذه الحرية ، نكتشف اذن ان النخبة شكل أيديولوجي شكل من اشكال السلطة
القامعة ، والقول فيها اقوال احداها ان هذه النخبة تخاف من العقول الحرة والفتية
وتضع لها قيودا وترسم لها مسارا للتفكير او على الاصح تخاف من التفكير وان كانت
تقول ان الفلسفة تحرر، ولأنها المتحكمة فهي تقدمها محكومة بأفق وهم حرية
الفلسفة... اليس دور الفلسفة هو تنوير الرأي العام اوليس خطابها من الاوجب ان
يتوجه الى العامة اوليس شعار التنوير هو القدرة على استعمال العقل الشخصي ؟!؟ اذن
لماذا تنصب النخبة نفسها وصية وتفكر في مكان الاخرين اليس هذا اخطر اشكال الوصاية
-وصاية الفكر- لن نبلغ الانوار ما لم تسقط النخبة ويتم تحرير الفلسفة من قبضتها.
انه لشيء محزن وانه
ليستدعي الأسف والشفقة معا ان تقع الفلسفة امة في يد أيدولوجية تتحكم في خطابها
واسلوبها وتوجه أنماط التفكير وتقتل الابداع الفلسفي ، السؤال هو من كرس لهذه
العبودية ؟
من البديهي ان
المراهقة الفلسفية هي التي كرست لهذه العبودية ، ذلك لأنها وقفت امام الفلسفة
الغربية على وجه التقديس ليس عيبا دراسة الفلسفة الغربية بل العيب ان تضيع الذات
المغربية بخصائصها في شيء لم ينتجه سياقها الخاص ومن اعمق اشكال الاختزال اختزال
الذات ..ان الدرس الفلسفي المغربي لا نجد فيه فلاسفة مغاربة مع انهم كثر على ان
يتم احصائهم ، طوال سنوات الثانوي لم نقرأ الا نصا واحدا لفيلسوف مغربي هو عبد
الله العروي . اين اذن التأسيس لفلسفة مغربية قائمة الذات ، كما اننا لا نجد في
الاغلب الا فلاسفة فرنسيس ثم انجليز وقليل منهم المان بينما تغيب الفلسفات الشرقية
الأخرى كالفلسفة الصينية والهندية ..هذه اعمق الازمات التي يكرسها فكر النخبة.
اذا لم تتحرر الفلسفة
من النخبة عن طريق الدرس الفلسفي ، فيمكن ان تتحر عن طريق القراءة المكتفة لطلبة
هذه الشعبة ولكي يعيي الطلاب هذه الضرورة وجب على الأقلام الفلسفية السليمة من مرض
فكر النخبة وان الفلسفة للخاصة ان تعمل على التنبيه بذلك وبضرورة ان تكون هذه
القراءات فردية متخلصة من كل اشكال تقييد الأفق ومن كل الاحكام المسبقة والمسيرة
مسيرة جيل من اجل بناء فلسفة مغربية مستقلة ومن اجل تحريرها من سيطرة سلطة النخبة.
من حق الفيلسوف ان
يرى تميزه عن الناس لكن ليس من حقه ان يراهم دونه وبأي شكل من الاشكال ، ثم اليس
الفيلسوف طبيب الحضارة ، اذن فمهمته هذه تحتم عليه ان يخالط الناس ،هذه هي الاصالة
في الفلسفة وليس خضوعها لسلطة تبقيها في برجها العاجي وتقود عملية اقصائية وهذا ما
يكرسه فكر النخبة .
لنربط هذه المسألة -مسألة
حرية الفلسفة – ببلوغ الانوار وتنوير الفكر والانسان لزم تحقق ميزة وقيمة الحرية التي
تعادل تحقق إنسانية الانسان فإن الشرط الأساسي هو القدرة على استعمال العقل الفردي
والخروج من الوصاية وما اقسى وصاية الفكر.
يجب ان نكون جد
متفائلين بالشباب الفلسفي وعلى هذا الشباب ان يعي المسؤولية التي تقع على عاتقه ، محاربة
تمييع الدرس الفلسفي وتطبيب طريقة تقديم الفلسفة للجيل الجديد والسعي وراء بناء
فلسفة مغربية مستقلة وقائمة الذات والمسيرة مسيرة جيل وهكذا نكون قد خطونا أولى
الخطوات نحو تحرير الفلسفة.
عبد الحفيظ ايت ناصر
مع تحيات موقع فيلوكلوب
0 تعليقات