المحور الأول: نشأة الفلسفة -البرنامج الدراسي للجذع المشترك-
إعداد عبد الإله العلوي
أستاذ مادة الفلسفة - تطوان
محاول المقالة:
تقديم:
1) الإطار المكاني:
2) الإطار الزمني:
ثانيا: فعل النشأة:
تقديم:
إن التعرف على مجال فكري معين، يقتضي الاطلاع على زمان ومكان نشأته، والظروف التي ساهمت في ظهوره، وكذلك المواضيع التي يهتم بدراستها والبحث فيها.
ومن هذا المنطلق، فإن تدريس مادة الفلسفة في سلك الثانوي التأهيلي، مستوى الجذع المشترك، يراعي هذه الإعتبارات حيث يتعرف المتعلم على المادة لأول مرة في مساره الدراسي، وقد تم إدراج مجزوءة الفلسفة في الكتاب المدرسي ليتمكن المتعلم من معرفة هذا النمط من التفكير الجديد عليه .
نشأة الفلسفة:
الفلسفة أو (فيلوسوفيا)...أين ظهرت؟ ومتى ظهرت؟ لماذا ظهرت في هذا البلد وليس في ذاك؟ لماذا في هذا الزمان دون غيره من الأزمنة؟ ماهي الشروط التي ساهمت في بروز هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟ وكيف تم الانتقال من التفكير الأسطوري إلى التفكير الفلسفي؟ ثم ما هو الجديد الذي جاءت به الفلسفة بصفة عامة بالقياس مع أنواع التفكير التي كانت سائدة آنذاك؟
كيف نفسر فعل نشأة الفلسفة وانتشارها؟ هل بالحروب أم بالهجرات؟ أم بالثقافة السائدة آنذاك؟أم بشكل النظام السياسي والاقتصادي؟ أم ببنية المدينة اليونانية وخصوصيات تركيبتها؟
أولا: إطار النشأة:
إذا حاولنا تحديد الإطار اللغوي لنشأة الفلسفة، فإننا سنجد أن الفلسفة philosophie هي لفظة يونانية مركبة من كلمتين هما :فيلياPhiliaوتعني محب/محبة وصوفياSophia وتعني حكمة أي محبة الحكمةPhilosophia. ويعتبر فيتاغورس وهو عالم رياضيات وفيلسوف يوناني في القرن السادس قبل الميلاد، أول من أطلق عليها هذا الاسم وأول من أراد لنفسه أن يكون محبا للحكمة.
1) الإطار المكاني:
كانت اليونان في القديم من أهم دول البحر الأبيض المتوسط ،لكونها مهد المدنية والحضارة والحكمة ومرتع العقل والمنطق الإنساني.
اليونان جغرافيا:تطل جنوبا على جزيرة كريت العظيمة، ويحيطها شرقا بحر إيجة وآسيا الوسطى التي كانت تمد اليونان بمعالمها الحضارية وثقافات الشرق، وفي الغرب عبر أيونيا تقع إيطاليا وصقلية وإسبانيا، وفي الشمال تقع مقدونيا وهي عبارة عن شعوب غير متحضرة.
وتتشكل اليونان على مستوى التضاريس من جبال شاهقة وهضاب مرتفعة وسواحل متقطعة ووديان متقعرة. وقد قسمت هذه التضاريس بلاد اليونان إلى أجزاء منعزلة وقطع مستقلة ساهمت في تبلور المدن التي كانت لها أنظمة خاصة في الحكم وأساليب معينة في التدبير الإداري والتسيير السياسي، وتحولت المدينة اليونانية إلى مدينة الدولة في إطار مجتمع متجانس وموحد ومتعاون، وتحيط بكل مدينة سفوح الجبال والأراضي الزراعية، وكانت من أشهر المدن اليونانية أثينا وإسبارطة.
وكانت أثينا مهد الفلسفة اليونانية وتقع في شرق إسبارطة، وموقعها متميز واستراتيجي؛ لأنها الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، وعبر هذه المدن كانت تنقل حضارة الشرق إلى بلاد اليونان، ومن أهم ركائز أثينا اعتمادها على مينائها وأسطولها البحري، وبين عامي470-490 ق. م ستترك أثينا وإسبرطة صراعيهما وتتوحدان عسكريا لمحاربة الفرس تحت حكم داريوس الذي كان يستهدف استعمار اليونان وتحويلها إلى مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية. ولكن اليونان المتحدة والفتية استطاعت أن تلحق الهزيمة بالجيش الفارسي. وقد شاركت أثينا في هذه الحرب بأسطولها البحري، بينما قدمت إسبارطة جيشها القوي، وبعد انتهاء الحرب سرحت إسبارطة جيوشها وحولت أثينا أسطولها العسكري إلى أسطول تجاري، ومن ثم أصبحت أثينا من أهم المدن التجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
2) الإطار الزمني:
في بلاد اليونان، وفي بداية القرن السادس قبل الميلاد، وفي المدينتين أثينا وملطية اليونانيتين ظهر بعض المفكرين الذين لم يهتموا بالأحداث والمظاهر ولكن بالمبادئ الكامنة وراء مختلف الأشياء، وكان يطلق على هؤلاء اسم حكماء طبيعيين، هؤلاء الحكماء الطبيعيون الذين اندهشوا من التغير الذي يطرأ على الأشياء، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن طبيعة تلك المبادئ بإرجاع المتعدد إلى الواحد والمتغير الى الثابت وهذا(ما حاول.نيتشه أن يبرزه في النص ص15 ).
إلا أن صفة الحكمة لا تنحصر في الحضارات اليونانية وحدها، بل سبقتها إلى ذلك حضارات وشعوب أخرى في الشرق القديم (الصين، الهند...). غير أن تلك الحكمة ارتبطت عندهم بالأساطير والمقدسات الدينية فقط، وليس بالطبيعة كما حصل عند حكماء اليونان الأوائل، كان أول هؤلاء هو طاليس الملطي، الذي أرجع أصل الأشياء كلها إلى عنصر واحد هو الماء، أما بالنسبة لانكسماندر فقد اعتبر "اللانهائي" هو العنصر الأولي في الطبيعة، أما أنكسمانس فقد قال بالهواء، في حين قال هيراقليطس بالنار كعنصر أولي، وهكذا فمنذ بداية ظهور الحكمة، سيتبين أنها جاءت معارضة للأساطير المفسرة لأصل العالم، لذا قدمت نفسها على شكل علم ومعرفة حقيقية بالطبيعة، هذه المعرفة هي التي سمحت للإنسان أن يحتل مكانه الحقيقي بين الآلهة والحيوانات في قلب الطبيعية.
وفي القرن الرابع قبل الميلاد سيتم الانتقال من الحكمة إلى الفلسفة مع سقراط الذي يرجع إليه الفضل في إرساء أسس التفكير الفلسفي القائم على الحوار التوليدي،ورغم أن سقراط لم يخلف أثرا مكتوبا، إلا أن أفلاطون احد تلامذته هو الذي خلده من خلال محاوراته الشهيرة.
وهكذا جاءت الفلسفة في بدايتها الأولى في القرن السادس قبل الميلاد لمعارضة ومواجهة الأسطورة ليحل اللوغوس ( Logos وهي كلمة يونانية تعني الخطاب، المبدأ، العقل، النظام) محل الميتوسMythos( وهي كلمة يونانية تعني الأسطورة)، وهكذا سيحل اللوغوس الذي يستعمل البرهان من خلال توظيف الحجة محل الميتوس الذي يستعمل فيه السرد الخيالي. فاللوغوس ظهر بشكل بارز مع ظهور الخطاب المكتوب الذي يعتمد العقلانية والصرامة المنطقية والحجة والبرهان وهذا ما يذهب إلى تأكيده جون بيير فرنان.
فعل النشأة:
هناك مجموعة من العوامل التي ساهمت في نشأة الفلسفة في بلاد اليونان بالضبط ، وتتمثل أساسا في:
طبيعة المدينة اليونانية التي كانت لها دلالة خاصة عند اليونانيين، إذ شكلت فضاء خصبا لنشأة عقلية جديدة،خاصة مع نظام الدولة المدينة حيث كانت تعتبر الساحة العمومية Agora قلبها النابض.
وفي هذه الساحة كان اللقاء يتم بين المواطنين لتبادل الرأي والمشورة ومناقشة كل قضاياهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وكذا الاستمتاع بالمسرح والفنون عامة، مما أشاع الثقافة والمعرفة بين مواطني المدينة، ومن تم أصبحت السلطة والمعرفة شأنا عاما بعد أن كانت حكرا على عائلات وأسر معينة، وهكذا ظهرت الديموقراطية كنظام يحافظ على السير العام للمجتمع.
وقد ساهم إلى جانب المدينة-الدولة، انفتاح المدن اليونانية وخاصة منها أثينا على الدول المجاورة، مما جعلهاتعرف نشاطا فكريا وفلسفيا كبيرا بفضل الموقع الجغرافي والنشاط التجاري ونظامها السياسي الديمقراطي وتمتع الأثيني بالحريات الخاصة والعامة وإحساسه بالمساواة والعدالة الاجتماعية في ظل هذا الحكم الجديد. وفي هذا يقول ول ديورانت:" كانت أثينا الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، فأصبحت أثينا إحدى المدن التجارية العظيمة في العالم القديم، وتحولت إلى سوق كبيرة وميناء ومكان اجتماع الرجال من مختلف الأجناس والعادات والمذاهب وحملت خلافاتهم واتصالاتهم ومنافساتهم إلى أثينا التحليل والتفكير…" وبالتدريج تطورت التجارة بالعلم، وتطور الحساب بتعقيد التبادل التجاري، وتطور الفلك بزيادة مخاطر الملاحة، وقدمت الثروة المتزايدة والفراغ والراحة والأمن الشروط اللازمة في البحث والتأمل والفكر، الأمر الذي يبوئها مكانة إستراتيجية بعد انتهاء الحروب وسيادة السلم عقب ذلك، في تطور وانتشار الفلسفة.
إن تضافر هذين الشرطين سيساهم إلى جانب عوامل أخرى في إرساء دعائم الفلسفة في بلاد اليونان وانتقالها فيما بعد إلى مراكز أخرى.
ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى مستويات وهي كالتالي:
· على المستوى الإقتصادي:
نظرا لإرتباط الإغريق بالبحر فقد ازدهرت لديهم الملاحة والتجارة والصناعة، مما أدى إلى بروز تقسيم العمل والمبادرة الفردية الحرة، كما ظهر النقد في المبادلات التجارية بدل المقايضة.
· على المستوى الاجتماعي:
ظهور الطبقات الإجتماعية نتيجة تقسيم العمل( الأحرار/العبيد) إضافة إلى ظهور المدينة-الدولة، التي سمحت ببزوغ عقلية جديدة، وحيث شكلت ساحة Agora مكانا خصبا لبناء الفكر.
· على المستوى السياسي:
تميزت المدينة اليونانية بسيادة الديمقراطية التي تمثلت في المساواة بين المجال الحضري والمجال القروي الذي كانت تشمله، حيث يتمتع القروي والحضري بنفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات، يحتكمون إلى نفس المحاكم، ينتخبون نفس النواب، ويجتمعون تحت قبة نفس البرلمان.
· على المستوى الثقافي:
أصبح مجال الفكر والثقافة مشترك ومشاع بين اليونانيين، ولم تعد امتيازا وحكرا لدى بعض العائلات أو بعض الأدباء والمثقفين، نتيجة انتشار الكتابة الأبجدية التي أتاحت إمكانية للمواطنين تعلم القراءة والكتابة، كما أن المجال كان مفتوحا أمامهم للمشاركة في الحياة الفنية، كالمشاركة في الحفلات، وحضور المسرح والإستفادة من الإبداعات الفنية والأدبية.
· على المستوى الفكري:
لقد كان للديمقراطية السياسية، وانتشار معالم الثقافة والتفكير في المدينة اليونانية، تأثيرا إيجابيا في تطور الأفكار عند اليونانيين.
بعدما كانت الحقيقة تعد سرا غيبيا يوحى، ومحروسا من قبل أسر معينة، صارت المعارف والتقنيات الذهنية، معروضة أمام الجميع و في واضحة النهار، وأصبحت قواعد العمل السياسي المتمثلة في الإشهار والنقاش الحر والحجاج، قواعد معتمدة في الفكر أيضا، تتجلى في نشر مذاهب ونظريات فكرية، وإخضاعها للنقد والمناظرة، وإعطائها صورة استدلالية برهانية.
0 تعليقات