أسطورة نشأة الكون "le mythe de la cosmogonie إعداد : جمال أبناس

فيلوكلوب سبتمبر 30, 2019 سبتمبر 30, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: أسطورة نشأة الكون "le mythe de la cosmogonie إعداد : جمال أبناس
-A A +A


   تحدثنا أسطورة الكوسموكونيا "la cosmogonie  " أو ما يعرف بأسطورة نشأة الكون عن الكيفية التي تم من خلالها الانتقال  من اللاكون إلى الكون، من اللاشىء، إلى تكون الكون، فكيف تم هذا الانتقال؟ وكيف فسرت هذه الاسطورة النقلة التي وقعت  من الفراغ إلى الوجود؟
      في البداية، لم يكن هناك أي شيء، فما كان موجودا هو الفراغ "le vide "، وهذا الأخير كان فراغ شديدا وعميقا، إذ لا يمكن التمييز فيه بين الاشياء، لقد كان الامر يتعلق في البداية بخلط  دون عمق" [1]confusion, sans terme, sans fond"، يسمى هذا الفراغ حسب الأسطورة بالكوس "chaos " ،لكن بعد ذلك ستظهر الأرض " Gaïa " ، وهذه الأخيرة في الأصل ضد العتمة والعدم واللاوجود، فهي شكل محدد ومعرف، مرئية وصلبة، إنها الشيء الذي تمشي عليه الالهة " les dieux"
     الأرض إذن أو "غايا" هي الأم الكونية " ،la mère universelle[2] يوجد في باطنها وأحشائها كل شيء " الجبال ، البحار ، الغابات..." لكن مع ذلك ورغم ظهور "غايا" فإن الكون لم يتكون بعد، إذ أنها " الأرض " في حاجة إلى قوة أخرى حيوية ، يسميها اليونان " Eros " ، فمن هو إ روس؟ ولماذا يعتبر قوة حيوية " [3]puissance Vitale" ؟
    إن هذه القوة يسميها اليونان إروس أو"[4]le vieil Amour" نظرا لأنها ضرورية فهي التي تلد وعن طريقها يتحقق الانتاج، إذ لم يكن هناك بعد ذكور وإناث من أجل التناسل، إذن إ روس بمثابة دفعة جديدة في الكون، فهو قوة حيوية قادرة على التوليد، وبدونه لا وجود لمفهوم التكاثر والتوالد في الكون.
   لكن، رغم كل هذه الكائنات الجديدة، "غايا" ، " إ روس"، ما يوجد في أحشاء الأم الكونية، فإن الكون لكي يتكون، يحتاج إلى عنصر أخر لا يقل أهمية من "غايا " و" إ روس"، يتعلق الأمر إذن بالسماء " Ouranos"، حيث بعد ظهورها، ستحصل زيجة " زواج" بين السماء والأرض، وستصبح العلاقة بينهما قائمة على التطابق " la correspondance  " فالسماء كانت تضاجع الأرض، و أورانوس لم يكن يعرف سوى التطابق."Ouranos ne cesse de s’ épancher dans le sein de Gaïa. Ouranos primordial n’a pas d’autre  [5]activité que sexuelle. Couvrir Gaïa sans cesse, autant qu’il le peut."
      أدت هذه العلاقة بينهما إلى ميلاد كائنات بالغة القوة والرعب، كائنات تسمى في الأسطورة بالتيتان " les titans "  والذي كان عددهم اثني عشر، منقسمين إلى أولاد وإناث، لكن قبل    ذلك فقد أنجبت واعتماد على نفسها ،قطرة ماء،" Pontos " المياه   " وأيضا الشمس "ciel étoile "، أما بخصوص الكائنات المرعبة أو التيتان، فمنهم كرنوس ""cronos  Okéanos"  الذي هو أصغرهم و آخرون هم "Cyclops" و "Brontés" و "Argés" و"Stéropés " و"les sombres" ففي الاسطورة كانوا يصفون بذوي الأذرع المائة، و العين الواحدة "Ils [6]possèdent un seul œil au milieu du front" ، أي  لهم عين واحدة وسط الجبهة
      كل هؤلاء الأولاد كانوا يعيشون في بطن "غايا" ، ولقد كانت لديهم رغبة في الخروج ، غير أن أورانوس كان يرفض ذلك، إذ كان يعلم بأن خروجهم سيؤذي لا محالة إلى صراعات وحروب بينهم حول السلطة، ومن تم سينتشر الشر والاقتتال في العالم، لكن غايا كانت جدا غاضبة، وتريد الخروج والانفصال بمعية أبنائها عن أورانوس، فقد ضقت ذرعا وتريد الخروج لترى النور، فهذا الأخير لم يكن موجود بعد"il n’y pas vraiment de lumière parce que Ouranos maintient une nuit continuelle en s’étendant sur [7]Gaia"
      فكرت الأرض في حيلة ناجعة من أجل الخروج والانفصال، وطلبت المساعدة من أبنائها، إذ قالت لهم، ينبغي أن نتخلص من السماء"écoutez, votre père nous fait injure, il [8]nous soumet à des violences épouvantables, il faut que cela cesse »"   يتعلق الأمر إذن في الرغبة على التمرد والخروج من سلطة الأب، غير أن التيتان لم يستسغوا هذه الفكرة ، إلا كرنوس الصغير في التيتان، فهذا الأخير كان أكثر ميلا من الاخرين إلى الشر والغوائل.
     اقترحت غايا على كرنوس بعد موافقته على الحيلة في أن يقوم بإخصاء أورانوس "la [9]castration d’ Ouranos" وفعلا، أنجز المتمرد الصغير المهمة بنجاح اعتمادا على آلة حادة، وبعد أن فعل ما فعل، بدأ دم أورانوس يسيل بشكل كبير، وتكونت منه تلات بنات، يمتللن العنف والعقاب والسلطة والصراع[10]، و هن إلهة السلطة "Eris" وإلهة  الحكمة والحرب"Erinyes" و أيضا إلهة أخرى، تدعى "Méliades".
   تطاير أيضا مع الدم المسفوح شيء من السائل الحيوي، وامتزج بزبد البحر، ونتج عن هذا الاختلاط، كائنات جميلة جدا، ومن بينها " Vénus " أو ما يعرف في الأسطورة بالزهرة، و "Aphrodite, la déesse née de la mer et de l’écume «" الهة الحب والمشاعر الايجابية.
    بعد العملية التي قام بها كرنوس الشرير، حرر كل أفراد التيتان ، باستثناء "les cyclopes"   الذي زج بهم في الجحيم "le tartare, monde souterrain, ténébreux , ou sont enfermés les dieux »" إيمانا منه بأن تحريرهم لن يكن في مصلحته، فهم كانوا يتمتعون بقوى خارقة تتجاوز قوته، فقد كان أصغرهم، لكنه أكثر  خبثا منهم.  بعد عملية التحرير، ستبدأ الالهة في الظهور، الهة جديدة هي نتاج لزواج كرنوس بأخته ريا "Rhéa"  فهي من التيتان أيضا، سينجب كرنوس من ريا أبناء كثر[11]، لكنه كان يبتلعهم، خوفا من أن يفعلوا به ما فعله بأبيه.
    كان هذا الفعل الذي يقوم به المتمرد الشرير مجحفا في حق ريا، لذلك اشتكت لغايا، وطلبت منها المساعدة. وكما جرت العادة ستتدخل غايا، واقترحت على ابنتها ريا أن تضع مكان الابن الجديد، حجرا ملفوفا في ثوب أبيض. ستنطلي الخديعة على كرنوس، وسيبتلع الحجر ظنا منه أنه ابنه الجديد، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فمن سيكون هذا الابن الجديد؟
     تمكنت ريا من أخد ابنها الجديد زوس zeus"  إلى جزيرة كريت[12]، ليحيا حرا وقد تخلص من أبيه، بعد أن كبر زوس، فكر في التخلص من كرنوس بواسطة شراب، اضعف قوته، لينهل بعد ذلك عليه، ليحرر في نهاية المطاف إخوته المبلوعين، ليتحدوا ضد التيتان الأشرار.
     أصبح مصير العالم بعد التخلص من التيتان في يد زوس إله الالهة الذي يتصف الحكمة والخير، عكس الاخرين من التيتان، سيتزوج من ميتس "[13]Métis"، رغم أن جده أخبره، أنه إذا تزوجها، فإنها ستنجيب له أبناءا سيزحزحونه على العرش، إذ أن ميتس أيضا ،كانت لديها قوى خارقة، فقد كانت تستطيع التحول إلى أي شيء تريده، جمادات، حيوانات...
    فكر زوس، وقرر أيضا التخلص منها، فطلب منها أن تتحول إلى أشياء متعددة، ليطلب منها في الأخير بأن تتحول إلى قطرة ماء، فتحولت وشربها، ما مكن زوس من الحصول على كل القوى التي كانت بحوزة ميتس، سيتزوج بعد ذلك من تيميس "thémis"  وسينجيب منها التوزيع العادل للثروات والقانون، ليحصل منها على المواصفات التي ستجعله إلها للعالم "le Dieu du monde"
          لكن، وكما يقول المتل ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ سرعان ما سيلد الثرتار، وحشا هائلا، يدعى "thyphon[14]"، ينفث من فمه لهبا ونارا قوية، فهذا الأخير حاول القضاء على زوس، قاطع أوثار أعصابه، ومضى يخرب كل شيء، وطلب من أفعى ذات الرؤوس الكثيرة أن تراقبه[15]"Zeus, enfermé dans cette caverne, incapable de bouger…"، غير أن "Hérmés"  الذي هو رسول زوس، أو إ اله الرسائل ، بمعية مع "Egipan" تمكنا من انقاد زوس، فإرميس كان لديه أحد الأبناء يدعى "" وكان مغرما بإحداهن، وكان كثيرا ما يضايقها وتحولت هذه الفتاة الجميلة إلى الة موسيقية "Sphénix"، تمكن "pan"   من أخد تلك الالة التي تجسد معشوقته، سيطلب منه أبوه أن يغني للأفعى التي كانت تحرس زوس، وذلك لتنام، ليساعد زوس، ولقد نجح في ذلك، وتمكن زوس من استعادة حريته، وأعاد الأمور إلى نصابها بعدما تمكن من القضاء على كل من يعترض طريقه، ويسعى إلى نشر الشر والصراع والحرب في العالم. بهذا الاستقرار سيعود التوازن الي الإنسان والآلهة والكون، وستبدأ معالم حياة جديدة في الكون اليوناني...وصولا إلى ما يسمي بمرحلة العصر الذهبي[16] "l’Age d’ or"  و العصر الأولمبي[17]، عصر النصر والاحتفالات والشدو والفرح، وانتهاء بالعصر الانساني.[18]
           خصائص الأسطورة :
يتبين بعد وقوفنا عند أسطورة "الكسموكونيا" أن الأسطورة بصفة عامة  تقوم على عدة خصائص، لذلك سنحاول في هذا الملخص المقتضب التركيز على أهم خصائص التي تميز الاسطورة، فما هي أهم مميزاتها ؟
  نجد في الغالب أن الخطاب الأسطوري، أو الحكاية الأسطورية "la fable mythique» تتميز بالسمات التالية :

  • إن الأسطورة هي عبارة عن حكاية مسرودة ومنسوجة لأهداف اجتماعية، دينية.
  • تقوم الأسطورة على تمجيد الالهة، غنها حاضرة دائما في فيها.
  • الدلالات والأحدات الكبرى تدور على العلاقات بين الالهة.
  • تقدم الأسطورة دائما إجابات مصيرية للإنسان.
  • الأسطورة تتكلم لغة الوجدان والعاطفة والإحساسات.
  • السببية التي تقوم عليها أحدات الأسطورة، سببية سيكولوجية.

خلاصة

      نفهم إذن أن الأسطورة بدون الارتكاز على الصراعات الدرامية للآلهة ، فهي ليست بأسطورة. كما نفهم أيضا بأنه عندما يتم ربط الفكر الأسطوري بسياقه التاريخي،  الاجتماعي، الوجودي، نجد كما تمت الاشارة سابقا أنها تحاول  تقديم إجابات لإشكالات إنسانية مصيرية  في علاقته بذاته وبالعالم.
 لكن، هل هذا يعني أن الأسطورة باعتمادها على القوى الطبيعية وعلى الالهة وعلى السرد الخيالي ليست سوى  مجرد فكر خرافي و اعتباطي، يفتقد لكل أوجه السببية والربط "la causalité" .لا يمكن الإقرار بأن السببية التي تقوم عليها الأسطورة، هي سببية منطقية كما هو الحال في التفكير الفلسفي ، وإنما هي سببية سيكولوجية، وجدانية ، باعثها هو حاجة الإنسان إلى الارتباط بتفسيرات انية ومصيرية، يحدد من خلالها علاقة معينة بالوقائع وبموضوعات العالم ،وهذا ينطبق بشكل كبير على الثقافة اليونانية في عصر ما قبل التفكير الفلسفي، بالتالي فإن التساؤل الان ، سيكون صوب طبيعة وخصائص التفكير الفلسفي، فما مميزات هذا الأخير؟ وكيف أخدت الفلسفة موقعا لها في ثقافة كانت في الاصل، ثقافة أسطورية؟
ملحوظة : يمكن بعد الاجراء الاكتفاء بتحليل نص جون بيير فرنان "الفلسفة في مواجهة الأسطورة "








[1] Jean-Pierre Vernant « l’Univers, Les dieux, les hommes » Récits grecs des origines, Edition de SEUIL ,2006, imprimé en France.p.16.
[2] Ibid. p17
[3] Ibid.p.18
[4] Ibid. p.17
[5] Ibid.19
[6] Ibid.20
[7] Ibid.21.
[8] Ibid. 21
[9] Ibid..19.
[10] Ibid.25.
[11] Ibid.31.
[12] -  جزيرة كريت"Crète" أو  إقريطيش باليونانية، هي أكبر الجزر اليونانية ،وخامس أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط
[13] Ibid.43.
[14] Ibid.p.47.
[15] Ibid.p.50.
[16] Ibid.p.62.
[17] Ibid.p.56.
[18] Ibid.p.67.

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/