التوحيد والإرهاب بقلم: سلامة عبيد الزريعي

فيلوكلوب أكتوبر 06, 2019 أكتوبر 06, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: التوحيد والإرهاب بقلم: سلامة عبيد الزريعي
-A A +A


التوحيد والإرهاب
بقلم: سلامة عبيد الزريعي

ترتبط الظواهر الإنسانية بالإنسان وما يصدر عنه من أفعال وتصرفات على اختلافها من أصوات. كما أن "فكرة تعدد الأصوات كظاهرة إنسانية وأياً كان الاسم الذي تسمى به هذه الظاهرة، فإن الفكرة كانت ترتبط بالتعايش السلمي لأساليب مختلفة من الوجود البشري"، أما التوحيد فكان مصحوباً بصراع بين هذه الأساليب يفضي إلى قتل الأخوة، صراع ينتهي إلى الاستنزاف أو إلى الإبادة.[1] لكن هل التوحيد هو السبب للقتل والإرهاب ؟ وهل يعني القتال لكل ما يخالف الإيمان القائم على التوحيد، هو الحق وما دونه الإرهاب، للإجابة على هذه التساؤلات يجدر معرفة التوحيد ما له وما عليه وعلاقته بالآخر.
"إن التوحيد لا يقتضي انتقاء وجود آلهة أخرى بل إن علة وجوده هو القتال ضدها".[2] هذا هو الإقرار بالآلهة الأخرى، فماذا عن الدين العالمي للإنسانية جمعاء، مادام هناك إيمان بالتوحيد، يعني لا مبرر لوجود عالمية الإله، فعلة وجود الآلهة الأخرى ومعتنقيها، هو القتال والإرهاب.  كما أن "بنية التوحيد لا أدرية بصورة جوهرية وأنها تستمد علة وجودها وقوتها من الصراع".[3] والدفاع بشراسة عن الوحدانية، الإيمان بالإله الو احدي، وأن المعالجة المتشككة للتوحيد تنطوي على شك في وجود أشكال أخرى من الدين غير التوحيدي أكثر خطورة.[4]
هذه الخطورة هي الدافع الوحيد للدفاع عن النفس بإرهاب الآخر ليبقى ما نؤمن ونأخذ به هو القول الحق،  وأن المؤمنين بإله حقيقي واحد يؤمنون حقاً بإله واحد أو يعظمونه طرقهم الخاصة المحلية في تصورهم لإلههم.[5] فهذا هو "التوحيد المزعوم" الذي أشار إليه المؤرخ الفرنسي، "بول فين"[6]، والذي هو أخطر من الإيمان بآلهة متعددة، لأنه يخفي وجهه الحقيقي، ولأنه ينقصه السمات التراحمية اللازمة لدين شامل للجميع وقادر من دون صعوبات على تعظيم آلهة متنوعة.[7]  
صحيح أن فكرة تعظيم إله واحد هي فكرة "يوتوبية"[8]، ولكن "اليوتوبيا" مقياساً للتغيرات التي وقعت في سالف الزمان، وربما تحدث أمام أعيننا الآن، فهناك من يؤمن بهذا حق الإيمان.[9] ولكن السؤال هل يمكن تحقيق هذه الفكرة بحق وحقيقة، وما هي طبيعة السيكولوجية الإنسانية التي تقبلها ؟
إن المشكلة الحقيقية مع المؤمنين بالتوحيد هي أنهم يتسامحون مع الاختلافات من جهة، فكل من يؤمن "باله" يصبح أخي أو أختي، ولكنهم يبنون جدراناً جديدة من جهة أخرى، وهذه الجدران لا يمكن هدمها، فما إن يمتلك المرء الحقيقة الواحدة الوحيدة، فلم ينبغي عليه أن يواصل البحث، فالشيء الوحيد المطلوب هو إعلانها للآخرين، وإرغامهم على الإيمان بها إذا ما سنحت الفرصة، فامتلاك الحقيقة يستحوذ على النفس إلى درجة الحوار والتفاعل غير ضروريين، بل ومن الأفضل منع تطفلهما على نعمة الحقيقة. والشيء الوحيد المطلوب هو الهداية إليها وتنوير الأبصار، وإقصاء الخصم أو قتله إذا اقتضى الأمر[10].  
يعتقد "باومان" بأن التوحيد مثل الحقيقة إلى حد كبير، وهو فكرة لا أدرية ولا يمكن العمل إلا في معركة حتى النهاية. إنه يشبه فكرة الحقيقة الى حد كبير الحقيقة الوحيدة الفريدة بطبيعتها الصادرة عن تعدد الآراء وضرورة الاختيار بينها، فالإصرار على وحدانية الله يبرهن ضمناً وجود آراء أخرى وعلى وجود نية لتحريمها[11].  
فمهما كان التشبث بوحدانية الله، هو برهان على وجود آراء مختلفة وعلى وجود نية مبيتة لتحريم هذه الآراء المختلفة. وهذا ربما يؤدي إلى ما لا يحمد، نتيجة التعصب إلى الرأي والادعاء بحقيقته الواحدة والوحيدة. ولا يوجد مثيل لهذه التوحيد الحقيقي وما نؤمن به هو الحق والأصح وعليكم الأتباع وهنا يغلق باب الحوار والنقاش وتشرع السيوف وتنصب المتاريس وتحفر الخنادق وتقام الحواجز ويصبح القتل وقطع الرقاب ربما على بطاقة التعريف الوطنية/ الشخصية/ ولا نريكم إلا ما نرى هو الواحد الأحد غير.
إن أصحاب التوحيد مثل أنصار تعدد الآلهة إلى حد كبير، واعون بأن أناساً آخرين في أماكن أخرى يتخذون آلهة أخرى، فالاختلاف في التوحيد بين الموحدين والمشركين هو أن المشركين لا يزعجهم هذا الأمر، فالإخلاص لإله ما لا يتدخل أبداً في الإخلاص لإله آخر، إنه لا يخون إلهاً أو آخر.[12]
ونختم بالسؤال: كيف تستطيع أساطير تعدد الآلهة أن تخلق رغبة في الثناء على الإله باعتباره مثلاً ؟ ومدى إمكانية استخدام منظومتها التوحيدية لتفسير الرغبة، والطمع في السلطة والتوفيق بين رغبتها الشديدة في الهيمنة وسياستها الرسمية القائمة على تعدد الآلهة، هذا ما يؤدي إلى حروب التوحيد ضد أتباع الديانات الأخرى[13]. 
سلامة عبيد الزريعي/ باحث في الفلسفة




[1]  زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان، تر، حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2018م،
[2]   المصدر نفسه
[3]  المصدر نفسه
[4]  المصدر نفسه
[5]  المصدر نفسه
[6]  بول فين، المؤرّخ الفرنسي البارز، جعل تصوّر «الحبكة» في موضع القلب من تنظيره للمعرفة التاريخية.  https://www.alquds.co.uk
[7]  المصدر نفسه
[8]  اليوتوبيا هو مفهوم فلسفي إبتكره الكاتب البريطاني السير (توماس مور) في كتابه (اليوتوبيا) الذي نشره في العام 1516م، ويدل المفهوم على الحضارة أو المكان المثالي وهو مشتق من اللغة الإغريقية الذي يعني حرفياً (المكان الذي لا وجود له) ويصف في كتابه هذا الدولة المثالية حيث يكون كل شيء فيها مثالياً للبشر، وتكون جميع شرور المجتمع كالفقر والظلم والإجرام غير موجودة، إضافة إلى أفكار يصعب تطبيقها نظرا لبعدها عن الواقع https://maktaba-amma.com
[9]  زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان، المصدر السابق
[10]  المصدر نفسه
[11]  المصدر نفسه
[12]  زيجمونت باومان وستانسواف أوبيرك، عن الله والإنسان،  المصدر السابق
[13]  أساطير الإسلام والأساطير الإمبراطورية الرومانية وما أفضت إليه من حروب على غرار حروب روما التوحيدية ضد الهراطقة وأتباع الديانات الأخرى إلى سقوطها

إقرأ أيضا للكاتب سلامة عبيد الزريعي

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/