وليام جيمس ونقد مركزية الذات.
جمال أبناس
يقتضي مطلب فهم فلسفة وليام جيمس، إقامة ربط وثيق بين فلسفته وتصوره
الطبيعاني في المعرفة، فما من شك أن الأمريكي استند وبشكل كبير في بناء نظريته في الحقيقة
على تصوره الطبيعاني في المعرفة. وفق هذا الارتباط، سعى وليام جيمس إلي نقد مفهوم الذات المركزية و المتعالية في نظرية
المعرفة في أفق بناء نظرية براجماتية في الحقيقة والمعرفة، تخدم بالدرجة الأولى سياقات
التفكير البراجماتي من جهة، ونظريته في الحقيقة من جهة أخرى.
استهدف وليام جيمس الأطروحة الكانطية في نظرية المعرفة، بيد أن
كانط في نظره هو المسؤول عن نظرية مركزية الذات في العالم، فالذات عند كانط هي التي
تحمل طابع المعقولية، وتمتلك الإمكانية لإضفائها على العالم و على معرفتنا به ،وبتعبير
إيمانويل كانط" ينبغي أن تكون الذات نتاجا للانطباعات بل ومتعالية عليها، فالذات
هي التي تمنح للموضوعات صورها ،أو ما يعرف عند كانط "بالشروط القبلية والتركيبية
للمعرفة " ، لكن بالنسبة لوليام جيمس، فإن الحاجة لا تدعو في بناء المعرفة، الارتكاز
على الدور المركزي و المتعالي للذات.
حاول وليام جيمس بناء نظرية
الحقيقة وفق الشروط العملية ،إذ عوض النزعة الصورية الكانطية بالنزعة الطبيعانية ،فهذه
الأخيرة هي التي تفسر المعرفة والتجربة والحقيقة وفق منظور براجماتي حيوي لا وفق تصور ماهوي قبلي مشروط بإملاءات
الذات المركزية المتعالية، لذلك كان من الأساسي إزاحة الذات المركزية في نظرية المعرفة،
وذلك للارتباطات التي تجمعه بالفلسفة البراجماتية وبأصولها التي تمتد إلى تقاليد الفكر
التجريبي الإنجليزي، كما تأسست في أعمال جون لوك، دافيد هيوم، جون ستيوارت ميل، بيد
أن جيمس ليس هو أول فيلسوف دعا إلى إزاحة مركزية الذات في نظرية المعرفة، فقد سبقه في ذلك دافيد هيوم، فما
هي الخلفية الفلسفية التي دفعتهما إلى إقرار مطلب إزاحة الذات ؟
يرى كانظ بأن المعرفة مشتتة في الواقع، وفي غياب المبادئ القبلية
التي تنظمها، تظل مشتتة، ما يدعو إلى ضرورة
ارتكاز الذات على تلك المبادئ القبلية لتنظيم معرفتها، وفي نظر دافيد هيوم ،و وليام
جيمس، فإن تجاوز كانط سيخلف معرفة غير منظمة ،وقائمة على مبدإ الفوضى والتشتت، فلا
غرابة إن وجدنا في تاريخ الفلسفة من يتهم دافيد هيوم بالفيلسوف الذي شتت الواقع (pulvérise le réel) ،فكيف سيتم تأسيس المعرفة وفق مخرجات البراجماتية، ومعطيات الواقع في
فوضى ؟
يتصور وليام جيمس الفوضى، باعتبارها منبعا للإبداع والفكر الخلاق،
فسبل تطوير الحياة وحل المشكلات مرتبط بمدى
فهم الوقائع في تشتتها، فالإنسان لا يمكنه أن ينظم هذه الفوضى مهما حاول جاهدا، وحتى
المحاولات التي تسعى جاهدة في تاريخ الفلسفة إلى فرض نظام كوني صارم، تضبط وتفسر به
العالم، هي محاولات فاشلة، فالثروة الحقيقية التي يمكن أن تسهم في إغناء مكتسبات الإنسان
،هي محاولته في فهم الوقائع في تعددها، فإن تمكن من فهم العالم و الوقائع وفق هذه المبادئ.
سيتمكن بالموازاة من بناء فهم فلسفي عميق لمجموع الظواهر التي ينحل إليها العالم .
يقتضي البناء الإبستمولوجي عند البراجماتية بناء المعرفة، لا وفق
عقل مسبق، أو وفق مبادئ قبلية، لأن المعرفة والحقيقة علاقة بين أجزاء التجربة، فالأهمية
التي يمنحها كانط للعقل ،سيمنحها وليام جيمس للفرد، فما يوجد هو الفرد. وهذا الأخير
تتشكل معانيه ضمن التجربة، فهي التي تنحته ليصبح نوعا، فالتجربة الحيوية والطبيعية
تنتج لنا أنواعا وليس ذواتا، فالعالم ليس هو المركز ،ولا الذات ،ولا الطبيعة الخارجية
،ولا حتى النفس الإنسانية، وإنما عالم واحد يجمع هذه الأجزاء لتصبح وحدة تشتمل على
الطبيعة و الإنسان في ان واحد.
يندرج هذا التصور الذي
يدافع عنه صاحب التعددية في إطار مجموعة من الأعمال الفلسفية الوضعية، كما تجسدت عند
ارنست ماخ، وخصوصا في ما يخص نقده للنزعة الذاتية ، فبالنسبة لأصحاب النزعة الوضعية
المتأخرة، العلاقة بين مبدأ الذاتية كوعي ذاتي و العلم تؤول عندهم إلى علاقة الجهاز
العصبي المركزي و المحيط، أي أن وصف أشكال الحياة الداخلية، يكون انطلاقا من مظاهر
التأثير والتأثر بين المراكز العصبية، والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان. ولقد كان من
نتائج هذا التصور الوضعي على فلسفة وليام جيمس إسقاط كل الادعاءات حول وجود مبدأ داخلي
جواني للوعي هو الذات، فما يوجد ليس هو الذات المتعالية المشروطة بمجموعة من المبادئ
القبلية، بل الوقائع والاحساسات (les factes et les sensations).
جمال أبناس
0 تعليقات