الانسان محاولة تحديد المفهوم - سفيان ناشط

فيلوكلوب نوفمبر 17, 2019 نوفمبر 17, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: الانسان محاولة تحديد المفهوم - سفيان ناشط
-A A +A


محاور المقالة

 1/ المسألة الفسفية وسؤال ماهية الانسان
 2/ مسألة الدين والانسان
  3/ مسألة الانسان من منظور العلم والطب



إن الحديث عن النشوء والتطور الانساني عبر خوض غمار التأصيل والتأطير التاريخي لهذا الكائن، يبقى من القضايا التي ليست بهينة، سيما وأن محور تحليلنا مخلوق آدمي تركيبته الهندسية معقدة و وخلاياه متنوعة ومتشابكة، وعظامه وأعضائه مختلفة بإختلاف أدوارها والعلاقة الدقيقة التي تجمعهم، ناهيك عن كيفية خلوذه ما بعد نشوء الكون وقبله، فهذه الجوانب إذا ما حاولنا الوقوف على كل محطة من محطاته سنتيه لامحالة، نتيجة تعقد مسألة هاته التركيبة الآدمية، سيما وأن التطورات الفزيائية لكوكب الارض وتطور الحياة عليه، تتأثر وتؤثر وذلك من خلال الرابط العلائقي مع هذا النوع من الوجود، دون الحديث عن النظريات التي تؤطر مناهجه،كل هذا يرسي ويزكي صعوبة هذا النوع من الدراسة .
   لكن هذا لن يحيد من محاولة تحديد هذا النوع البشري الذي ننتمي له، ولعل هذا الانتماء سنجعل منه مصدر قوة واستغلال ولو الخروج بجزء ذرة من محاولة تحديد هذا المفهوم قيد الدراسة، لذلك سيتم التعامل معه وفق مجموعة من المسائل التي يمكن من خلاها أن تساعد في تشريح أو محاولة تشريح هذا المخلوق  لربما تم التوفيق لنجاح عمليتنا .
   ونظرا كون أن مفهوم الانسان من المفاهيم التي استعصت الادراك للبعد الفلسفي وللحمولة الفكرية التي انخرط فيها الفلاسفة والمفكرين بغية التنظير لهذا المخلوق كل وفق رؤيته لماهية هذا النوع، كان لزاما التوقف في مسألة ماهية الانسان الفلسفية وكيف تم تعرية هذا المفهوم، وإلى أي حد تم التوفيق لتحديد ماهيته ؟ .
   في حين سيتم العروج صوب الجانب الروحاني العقائدي، سيما الاديان " السماوية "، في كيفية تعريفها وتعاملها مع هذا المفهوم، سيما وأنه أساس مشروعيتها ووجودها، وبالتالي الامر الذي انعكس في محورية الرسالة لكل دين من هاته الاديان، فضلا عن تحديد الفارق ومسائلة النص الديني بينه وبين قرينه، وتبيان أيهما أقرب للمنطق، هذا إن كانوا يستندون عليه فعليا .
   وتبقى من أصعب المسائل لتشريح المفهوم هي المسألة العلوم ومجال تطبيقه أي الطب، في طريقة تشخيصه لهذا الانسان لأنسجته والخلايا التي تجري في جسمه، منذ مرحلة الحيوان المنوي وتشكيل الاجنة في البويضة ....فضلا عن إشكالية الاستنساخ والتلاعب بالهندسة الوراثية، دون الحديث عن تبيان وظائف القلب وعلاقته بالذماغ، وهل يؤمن الطب بالروح وإن كان الجواب بالنفي، فكيف سيبرهن ذلك المنطق العلمي، هاته النقاط الاخيرة سيتم إعادة الوقوف عليها وترتيبها وتحليلها بقدر الامكان إن سمحت الفرصة .
ولهذا تبقى هاته المحاور مجرد جانب ضيق لمحاولة افراز او تحديد مفهوم الانسان، ولذلك سيتم دراستها والتنظير لها وفق التسلسل التي تم اعتماده اعلاه .
   1 / المسألة الفسفية وسؤال ماهية الانسان
   2 / مسألة الدين والانسان
    3 / مسألة الانسان من منظور العلم والطب

1 - المسألة الفلسفية وسؤال ماهية الإنسان


   يكفي القول بادئ ذي بدء، أن ماهية الانسان ومقاربة هذه المسألة من المنظور الفلسفي فلا هي متطابقة ولا هي متجانسة كل ينظر لها وفق قناعاته، والزوايا الذاتية المتعلقة به، ويدافع عن اطروحته بناءا على الشاكلة التي يعتقد انها صائبة وسليمة، مقارنة مع باقي الاطروحات النقيضة التي قد تضحد مقاربته الفكرية أو قد تتطابق بشكل او بآخر .
    ما الانسان ؟ لطالما أعتبرت هاته الاشكالية من أعقد وأكثر الاشكاليات التي اثيرت فلسفيا وفكريا، بيد أن التنظير لها والاطروحات التي سدلت ستارها وسيلت عليها حبر الاقلام وجفت ولم تسطع او تستطع التوافق على تحديد لبنة او منطلق لتحديد ماهية الانسان، الذي يبقى في الاخير تركيبة واحدة ومحددة، لكن هذا لن ولم يشفع في تحديد مفهومه بالطريقة السلسة . وكما أنه في المقابل لا يمكن تطابق الافكار والرؤى سيما وإن كانت ذاتية فضلا على أن محور التناظر حوله محدد وهو الانسان .
    وقبل مقارعة اراء الفكرية الفلسفية، فبالوهلة الأولى يشعر أي فرد أنه قادر على الاجابة إذا ما وجهت له اشكالية ما الانسان، مستغلا انتماءه لهذا النوع وبمجرد التفكير او محاولة التفكير يبدأ في بحث عن الخيط الناظم الذي من خلاله يمكن تركيب نسيج فكري مفاهيمي لهذا السؤال منطلقا من ذاتيته . والمهووس بالتركيبة الآدمية الشكلية سيقحم المفهوم في قالب أعضاء بشرية ظاهرية، لكن هذا يبقى قاصر إذا ما قورن بباقي من يشاركوننا  في الوجود .. ، ويمكن للغير الروحاني أن يعرف نفسه ذاك الوجود الذي بعث لمرحلة ما وخلافة شيء ما، وللقيام بعمل ما وانتظار جزاء ما، وهذا أساس وجوده باعتبار تركيبته مقترنة بعقائده التي تختلف من معتقد لآخر كما ستتم الاشارة إليه أدناه . أما الاخر العاطفي قد يقحم بتعريف نفسه في امور هو في غنى عنها، ويبدأ في نسج تركيبته الهندسية من مضخة قلبه ومصدر * الحب والكره ...* لماهيته الانسية، ثم يعرج مسرعا في ابراز ملامح المعقدة للعقل كصورة لذماغه بإعتبارها اساس ماهية الانسان وأي انسان، ولا يمكن بالبتة ان نعرف هذا المخلوق دون هذا العضو . لكن هذا لا يشفع له سيما وإن خذنا نقاش حول التطورات البحثية والمختبرات الطبية وما وصلت إليه من تغيير الاعضاء الآلية او زرعها بل وصل الحد لإستنساخها، وبالتالي هذا الطرح يبقى غير مقنع في تعريف مفهوم الانسان .
   ومنذ أمد طويل والناس ينظرون بعضهم إلى بعض بشعور عارم من الاعجاب الممزوج بالرهبة والحيرة والفخار والخوف، ذلك أنهم لم يعرفوا قط حقيقة هويتهم، وقد تساءل النبي داود في في الانشاد الثامن: " ما هو الانسان؟" ثم اجاب على ذلك بأنه " أدنى قليلا من الملائكة"، وانه متوج " بالمجد والشرف" ، واخرون إذ ينظرون إلى تاريخ الانسانية المليء بأعمال العنف والوحشية المثيرة للغثيان، ويعتبرون الجنس البشري على النقيض من ذلك : أي أرقى قليلا من الحيوان [1].
   ويعتبر نيتشه من أشهر الفلاسفة الذين اهتموا بإزالة العقل من موضوع التصوّرات الفلسفية للإنسان، حيث شكل هذا الموضوع محور دراساته الفلسفية، وكان مدخلا لتحديد وتعريف الإنسان، فقد رأى نيتشه أن العقل هو غريزة كالغرائز الأخرى التي من شأنها أن تُبقي الإنسان على قيد الحياة، وهذه هي وظيفته فقط لا غير، وتم اعتبار الأبعاد الغريزية المكون الأساسي والمركزي للذات الإنسانية، وأن ماحصل في الثقافة الإنسانية من اضطرابات يرجع إلى تبديل وظيفة العقل، وتحميله مسؤولية كبيرة مثل الحقيقة والأخلاق، وهذا ما جاء في كتابه العلم المرح، كما أنه قلل من القيم الأخلاقية التي يتسم بها العقل مثل الرحمة والتسامح، ووصفها في بحثه الذي حمل عنوان (جنيالوجيا الأخلاق) على أنها أخلاق ضعف وعبودية ولا تدل على القوة والسيادة .

2 - مسألة الدين والإنسان

   الدين، ذاك الرابط الروحاني والنسيج المركب من خيوط متقاطعة وغير مرتبة "جيء بها" كدستور وجب الامتثال له وتطبيقه، وما يهمنا نحن في هذا الدستور هو كيفية تعامله وتعريف لمفهوم الانسان، الذي هو في الاخير محور وأساس غاية هذا الدستور العقائدي الصرف .
   والظاهر أن كل معتقد يختلف بإختلاف باقي المعتقدات الدينية في تعريفها للانسان، وذلك وفق ما تراه عين الصواب، ومن اجل ذلك سنحاول البحث في ما مدى صواب تعريفها للانسان من خلال ابراز جملة من المنطلقات النصوصية في تحديد هاته التركيبة الآدمية، ولكثرة المعتقدات للأسف ... سنتطرف فقط على ذكر الجانب المختصر في الاديان " السماوية ".
   تمثل كل من اليهودية والمسيحية والاسلام، معتقدات لأكثر من ثلث سكان العالم، ولا يمكن إهمالها بل من الاهم أن يتم الاطلاع على كيفية نظرة كل ديانة منها إلى أصل الانسان سيما المسيحية والاسلامية، فبالنسبة للكتاب المقدس وانطلاقا من الآيات المحددة فإن خلق الانسان وطبيعة نشوءه وفق سفر التكوين، أنه قد ابتدأ بروايتين، وتسمى الاولى الرواية الكهنوتية، وهي الاطول وقد وضعت في بداية السفر وأدخلت في الرواية الطويلة لخلق السماوات والارض والكائنات الحية وأن خلق الانسان وطبيعته هو تتويج لها غير أنه لم يذكر إلا ببعض الكلمات.
    حيث نجد  في الاصحاح الاول الآيتان 1 و 2 ( في البدء خلق الله السماوات والارض* وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه ) . وهذا ونجد الايات 3 و 5 ( وقال الله ليكن نور فكان نور* ورأى الله النور أنه حسن* وفصل الله بين النور والظلمة* ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا* وكان مساء وكان صباح يوم واحدا) . الايات 6-8 ( وقال الله ليكن جلد في وسط المياه وليكن فاصلا بين مياه ومياه*فعمل الله الجلد بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك* ودعا الله الجلد سماء وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا) .
ثم الآيات من 9 – 13 وكذا الآيات من 14-19 فضلا عن الآيات من 20-23 و الآيات 24-31 ثم تنتهي هاته الرواية من الآيات 1-4 من الاصحاح الثاني.
   أما الرواية الثانية، وهي رواية اليهوية، ويعود تاريخها إلى القرن التاسع أو العاشر قبل الميلاد، قصيرة جدا ومذكورة بعد الرواية الكهنوتية ويحتل خلق الانسان المكان الأكبر فيها، حيث تشد على خلق الرجل من التراب، وبالواقع فإن الاسم الذي حمله أول رجل " ادم " وهو اسم جامع في اللغة يعتبر " الرجل " وهذه الكلمة مشتقة من من " ادمة " وتعني التراب، وهذا ما نجده في المزمور 104 من خلال الآية 29 " ... يذهب كلاهما إلى مكان واحد، كان كلاهما من التراب وإلى التراب ويعود كلاهما"، ويذكر سفر أيوب الاصحاح 24، الآية 15 أيضا بعودة الانسان نهائيا إلا هذه الحالة [2].
   لكن رغم الروايتين الكهونيتة واليهوية في محاولة تحديدها لأصل الانسان وكيفية خلقه، يعتريها مجموعة من القصور سيما وإن ربطناها بروح الدين المسيحي الذي يعتبر الإله صورة للإنسان وأن كلاهما رب واحد، وأن المسيح إبن الله، وبالتالي يصعب وفق هذا التصور تعريف الانسان في الدين المسيحي فهل الله انسان وهل الانسان رب ؟ .
   أما الديانة الاسلامية فقد حددت ماهية الانسان وطبيعة خلقه وكيفية خلقه وأساس والغاية من خلقه من خلال جملة من الآيات سنعرج على بعض منها لربما خلصنا لإطار مفاهيمي تعريفي لهذا النوع وفق التصور الديني النصوصي للديانة الاسلامية، فالآيات التي قصر فيها القول على خلق جسد الانسان، لم تخل مما يوحى إلى المخلوق المسئول أن اطوار خلقه السوى إعداد لما هو اشرف من حياته الحيوانية، وبرهان من براهن التبليغ برسالة الغيب، عسى أن ينظر في الخلق فيرى فيه اثار الخالق الذي لا تدركه الابصار والاسماع :
 (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طِينٍ* ثُم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثُم خلقنا النطْفةَ علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظَام لحما ثم أَنشأناه خلْقا آخر فتبارك اللَّه أَحسن الخالقين*)         
سورة المؤمنون 12-14
   ( ذلك علم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه* وبدأ خلق الانسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين* ثم سواه ونفخ فيه من روحه) .
سورة سجدة 6-9

) ومن ءاياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) .
سورة الروم الاية 20
( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبث الارض ومن انفسهمو ومما لا يعلمون )
سورة يس الاية 36
ولا يسأل الانسان عما يجهل، ولكنه يسأل عما علم وعما وسعه أن يعلم، وما من شيء في عالم الغيب أو عالم الشهادة من محجوب كله عن علم الانسان، فما وسعه من علم فهو محاسب عليه [3].
ويبقى الانسان من المنظور الاسلامي ذاك الكائن الذي ينقسم في تكوينه من قسمين مادي وهو الجسم المكون من اعضاء وخلايا وجسور ونظام تشفير معقد في الشفرة الوراثية، وما إلى ذلك من نسيج محكم ومتكامل، والقسم الثاني هو الجانب المعنوي الذي يدير ويتحكم في هذا الجسم المادي من العقل والادراك والجانب النفسي المعقد، او كما يشار لما سبق ذكره في اختزاله بالروح، والتي تعتبر عصية عن ادراكنا لحكمة لا يعلمها الا الله، كما قال الله تعالى " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " سورة الاسراء – الآية 85 . وبهذا ينتهي تحليلنا حول المفهوم .

3 - مسألة الإنسان في العلم والطب

   إن الحديث عن هذا النوع الإنسي من الوجود وحصره في أفق ما ومن أجل إحتواءه، إلا ويتمدد وبقدر ما يتمدد إلا وتزداد صعوبة الامر وتزداد وثيرة التعقد، وكأننا نجري خلف حيوانات منوية من أجل تعدادها في ثانية بالعين المجردة، لعلنا نجد اجابة على ما هو الانسان ؟ .
   وإذا ما نحن توقفنا عند نقطة البداية كمحاولة مباغتة لطمس المفهوم والخروج بتأطير سلس وموجز، إلا ونجد أن هاته البداية تغرقنا في تساءلات ذاتية تكاد لا ترى اخرها، عن سر الخلق الاول، وسر التكوين الإنساني من غير خلية حية منتزعة من جسد إنساني، ولا بويضة مفرغة من نواتها الكامنة فيها.
   هذا المنطلق وهذا الاساس لبداية تحديد المفهوم الانسان من المنظور العلمي، دون الغوص في عملية التلاقح في بداية النشوء الانسان في بويضة عبر تمازج الحيوانات المنوية، وبالتالي مرور لعملية الاخصاب وتكوين الامشاج وبداية نشوء ملامح الجنين في هندسته الوراثية ولصورته الشخصية التي يتفرد بها عن الاخر ما تعرف ب CMH  .
ومن خلال هذا الجانب يمكن تعريف أن الانسان مجموعة من الخلايا التي تحمل في طياتها جسيمات ملونة اي صبغيات او كروموسومات، وهذه الاخيرة تحمل خصائص البشرية وخصائص الوراثة... وتنقسم الخلية في خصية الرجل وفي مبيض المرأة، بحيث يحتوي الحيوان المنوي ( نطفة الذكر ) على نصف العدد من هذه الجسيمات.. وكذلك البويضة .. فإذا اجتمعا كونا النطفة الامشاج المختلطة من ماء الرجل ( الحيوان المنوي ) وماء المرأة ( البويضة ) .
وبهذا فعوامل الوراثة والاصطفاء تعمل خفية وذاك وترسم الملامح والصفات  كما ترسم الطول والقصر واللون .. ولو كان التناسل يتم كما يتم تناسل الاميبيا من خلية واحدة لكانوا جميعا صورة مكررة ومملة[4]، فالاختلاف اساس وحكمة وجودنا .
   ولكن ما يثار هنا هو فكرة الاستنساخ البشري والتي مازالت في طور التجارب المخبرية، بعد نجاحها في مجال الاستنساخ الحيواني في سنة 1996 بميلاد النعجة * دولي *، واحتمالات النجاح متوقعة في كل وقت، إن لم نقل انها نجحت وقطعت اشواطا طويلة، وهاته التقنية البيولوجية في هندسة الجينات، منهم من يرى ان هذا الاستنساخ ما هو إلا اكتشاف لناموس من نواميس الله في الكون وليس تعديا على الخالق عز وجل، ويرى البعض الاخر تحريمه اخلاقيا بوصفه يعطل ما لأجله جعل الله البشر من جنسين، حيث أنه يمكن الاستغناء عن الزواج وبالتالي فلا حاجة للتناسل بين الجنسين. ومنهم من يرى أنه إفساد في الارض وإحداث للاضطرابات في ناموس الكون [5].
   وبين الاستنساخ الذي يتم من خلاله تقسيم النطف البشرية الكامنة في رحم الانثى إلى عدة خلايا تنتج كل واحدة منها نطفة صالحة للانجاب، وبالتالي الاستغناء لدور الحيوان المنوي الذكوري والإكتفاء ببويضة الانثى باللعب الدور الرئيسي، وبين من يعتقد ان الاستنساخ قد يبلغ إلى حد استنساخ إنسان عبقري مستنسخ من خلقة عباقرة العلوم والفنون، ومن الحاصلين على جوائز نوبل، ومن الابطال والمتفوقين ذهنيا، وبهذا سينقسم العالم الغذ لمجموعتين بشريتين، مجموعة العباقرة والافذاذ، ومجموعة التافهين الذي لامحالة سيضيق الوجد بهم [6].
   وما يهمنا في هاته التركيبة الهندسية الوراثية وطرق خلقها او اصطناعها، هو إلا أي حد ساهمت في بناء تعريف دقيق ومحدد حول إشكالية تعريف ما الانسان، أم أنه لزاما منا وفق المنظور العلمي البقاء بالجري وراء الخلية ونواتها المسؤولة عن نشاطها، ما تعرف بإسم المادة الكروماتينية، والتي تعرف بالجينات . و التي تتحول إلى أجسام عضوية أثناء انقسام الخلية وهي الصبغيات، هذه الأخيرة هي التي تحمل الجينات، ويتميز كل نوع من الكائنات بأن خلاياه تحوي على عدد ثابت من هذه الصبغيات، حيث ان الانسان تحتوي خلاياه على 46 صبغيا .
   زوج واحد من هذه الصبغيات يحدد الجنس، فإن كان ذكر كان هذان الصبغيان مختلفين وهما YX . أما إذا كان متماثلين ومن نوع XX  فيحدد الجنس ليصبح أنثويا، وتتباين أعداد الصبغيات في الكائنات الحية من صبغيين حتى يصل إلى بعض المائات [7].
 لكن رغم كل ما سبق ذكره لا ييسر لنا تحديد ماهية هذا المخلوق، فبدايته من العدم ولا يمكن بالبتة تحديد شيء دون اصله وهي بداية النشوء ولحد الآن مازال الامر غير معروف، لكن في المقابل يبقى كل من الانسان المستنسخ أو الانسان الآلة إلى حد ما قابل للتحديد المفاهيمي  . 
   ختاما ما يمكن قوله من خلال هاته المسائل التي مررنا بها بعجالة في محاولة تحديد مفهوم الانسان، نجد انفسنا كجزء منتمي أو ينتمي لهذا النوع الآدمي عصي عن الفهم صعب في الادراك غريب الاطوار، كما يمكن الاستغناء عن اعضاءه وتغييرها، بل يمكن نسخه حتى، كما يمكن تلاعب بجيناته ... وأما الحفر والتنقيب في بداية النشوء كمحاولة تعريف للمفهوم يعتريها جملة من التحديات، لكن كل هذا يصب بطريقة او بأخرى في تعريف هذا الكائن أنه مجهول الهوية ولو كان مجردا .




[1]  : بيتر فاررب " بنو الانسان " ترجمة زهير الكرمي، عالم المعرفة 67، سنة 1990 ، الصفحة 7
[2]  : موريس بوكاي " أصل الانسان بين العلم والكتب السماوية " ترجمة فوزي شعبان، المكتبة العلمية، الصفحة 155 و 165 .
[3]  : عباس محمود العقاد " الانسان في القرآن " الطبعة الرابعة 2005، الصفحة 2005 .

[4]  : محمد علي البار " خلق الانسان بين الطب والقرآن " الطبعة الرابعة، الصفحة 25
[5]  : محمد اليشيوي " إلى أين تسير التقنيات البيولوجية ؟ الهندسة الوراثية والاستنساخ نموذجا " بحث ضمن مؤلف "حقوق الانسان والتصرف في الجينات" مطبوعات اكاديمية المملكة المغربية  1997 ، الصفحة 40
[6]  : عبد الهادي بوطالب " ضبط مناولات النطف بقواعد اخلاقيات حقوق الانسان " بحث ضمن مؤلف "حقوق الانسان والتصرف في الجينات" مطبوعات اكاديمية المملكة المغربية  1997 ، الصفحة75
[7]  : محمد اليشيوي " مرجع سابق، الصفحة 42


سفيان ناشط 
البريد الإلكتروني soufiane.nachat10@gmail.com

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/