المجزوءة الأولى : مجزوءة ما الإنسان؟
المفهوم: مفهوم الوعي
المحور الثالث: الإيديولوجيا والوهم
محاور الدرس:
- تقديم
- أولا: في دلالة مفهومي الإيديولوجيا والوهم
- ثانيا: تحليل نص بول ريكور
- ثالثا: مناقشة موقف بول ريكور
التأطير الإشكالي:
لقد أكد نيتشه على أن
"الحقائق مجرد أوهام نسينا أنها كذلك"، وهذا التأكيد يدفعنا إلى في قضية
الوعي، وخاصة في علاقته بالوهم والإيديولوجيا. والذي يجعل من هذا البحث بحثا ضروريا،
هو أن الواقع سواء الاجتماعي أو السياسي أو غيرهما، يكشف عن وجود وعي مزيف، لا
يعكس حقيقة العلاقة بين الإنسان وذاته، أو بينه وبين واقعه سواء الاجتماعي أو
السياسي أو الإقتصادي... وهذا الوعي المزيف والمشوه هو ما نصطلح عليه
بالإيديولوجيا. كل ذلك يدفعنا إلى التساؤل عن دلالة مفهومي الوهم والإيديولوجيا
وعن علاقتهما بالوعي، كما يدفعنا إلى البحث والتساؤل عن مدى وعي الإنسان بذاته
وبواقعه حقيقة الوعي. كل تلك التساؤلات والإشكالات يمكن أن نعبر عنها كالآتي:
ما الوهم وما الإيديولوجيا؟ وما
علاقتهما بالوعي؟ وإلى أي حد يستطيع الوعي تقديم صورة شفافة وحقيقية عن الذات وعن
العالم؟ ألا يؤدي تدخل الإيديولوجيا إلى جعل تلك الصورة معكوسة ومزيفة؟ وهل بإمكان
الأفراد والشعوب كلية الاستغناء عن الأوهام والإيديولوجيات؟
أولا: في دلالة مفهومي الإديولوجيا والوهم
الإيديولوجيا:
تعني في أصلها الاشتقاقي علم الأفكار، أي العلم الذي يهتم بتحليل الأفكار ودراستها
في علاقاتها، لكنها في تطورها التاريخي
أصبحت تعني أيضا "مجموع التمثلات الجماعية التي لا تعكس موضوعيا الشروط
الواقعية لحياة الناس"
الوهم:
هو الظن الفاسد، وقد يطلق على الخداع الحسي، أو التمثل الكاذب الناتج عن الانخداع
بالظواهر، كما يطلق الوهم على الأفكار التي لا مقابل لها في الواقع.
ثانيا: تحليل نص بول ريكور
تأطير
النص:
يدخل النص ضمن الكتابات الفلسفية،
إذ يعود للفيلسوف الفرنسي بول ريكور (1913-2005). ويتطرق الفيلسوف في هذا النص إلى
وظائف الإيديولوجيا.
إشكال
النص:
أي علاقة بين كل من الواقع والوعي وبين الإيديولوجيا؟
هل تعمل الإيديولوجيا على تصوير الواقع كما هو أم أنها تعمل على تشويهه وتزيفه؟
أطروحة
النص:
يؤكد بول ريكور أن الإيديولوجيا
تنتج وعيا زائفا عن الواقع، وأنها تتجاوز التزييف إلى التبرير والإدماج.
تحليل الأطروحة:
يقتضي من تحليل الأطروحة تحليلها
مفاهيميا لفهم مضمونها وحجاجيا لفهم منطقها.
من الناحية المفاهيمية يتشكل النص
عموما والأطروحة خاصة من عدة مفاهيم لابد
من الوقوف عند دلالتها وكشف مضمونها. ولعل أبز تلك المفاهيم ما يلي:
الإيديولوجيا:
العملية الفكرية العامة التي بواسطتها تعمل التمثلات الخيالية على تشويه حياة
الناس الواقعية، ولا تؤدي الإيديولوجيا وظيفة تشويه الواقع وتزييفه فقط بل تؤدي
أيضا وظيفتي التبرير والإدماج، ولذلك لابد من فهم معنى التشويه والتبرير والإدماج
التشويه:
أي انتاج صورة معكوسة عن الواقع، أي صورة لا تعكس حقيقته.
التبرير
: تبرير
الطبقة المسيطرة لأفكارها أو لوقائع معينة لجعلها مقبولة لدى الأفراد.
الإدماج:
أي إدماج الأفراد ضمن بنية من الأفكار و والمعتقدات ذات البعد السياسي أو الديني
أو غيرهما
أما من الناحية الحجاجية فيمكن أن
نعرض للبناء المنطقي للنص عبر تحديد الآليات الحجاجية التي اعتمدها بول ريكور
ليجعل موقفه موقفا مقبولا، ولعل ابرز تلك الآليات تتمثل في:
4 العرض والتفسير: حيث عرض لأطروحته
المتمثلة في كون الإيديولوجيا متعددة الوظائف والأدوار، وتفسير ذلك من خلال جرد
تلك الوظائف والمتمثلة في: التزييف، التبرير والإدماج.
4 الإستشهاد: حيث استشهد بقول كارل ماركس،
وذلك ليشرح ويوضح الوظيفة التزييفية
للإيديولوجيا.
4 الإستعارة: حيث استعان بول ريكور بالاستعارة
التي اعتمدها ماركس وهي استعارة "العلبة السوداء"، وذلك ليوضح دور
الإيديولوجيا المتمثل في القلب، أي خلق صورة مقلوبة عن الواقع.
4 المثال: حيث قد بول ريكور السلطة
الكليانية بما هي سلطة مطلقة، كمثال للسلطة السياسية التي تعتمد الإيديولوجيا من
أجل تبرير الوضع الإجتماعي أو الإسياسي أو غيرهما. كما قدم تخليد الجماعات البشرية
لاحتفالاتها وذكرياتها الأساسية كمثال على الوظيفة الإدماجية للإيديولوجيا.
خلاصة الموقف:
بعد تحليلنا للنص،
يتبين لنا أن موقف بول ريكور يتمثل في كون الإديولوجيا تؤدي ثلاث وظائف، حيث تقوم
أولا بالتزييف أي خلق وعي مزيف ومقلوب عن الواقع، وتقوم ثانيا بتبرير الأوضاع
الإقتصادية والإجتماعية والسياسية... وتبرير أفكار الطبقة المسيطرة، وتقوم أخيرا
بالإدماج: أي إدماج الأفراد في فكر ما، أو واقع معين. ويؤكد بول ريكور أن الوظيفين
الثانية والثالث أهم مقارنة بالوظيفة الأولى نظرا لما يحدثانه من تأثير.
ثالثا: مناقشة موقف بول ريكور
بما أن الفكر الفلسفي فكر تساؤلي
ونقدي، فلابد لنا أن نسائل وننتقد موقف بول ريكور. لكن، لابد أولا من بيان أهميته
وراهنيته.
لقد كشف لنا تصور بول ريكور عن
الأوجه المتعددة للإيديولوجيا، وكيف أنها لا تعمل فقط على التتشويه والتزييف،
وإنما تتجاوز ذلك إلى التبرير والإدماج. ولهذا الموقف راهنيته، حيث يمكننا من
خلاله مقاربة واقعنا الحاضر، وفهم الأدوار المتعددة للإيديولوجيا. وهذا الموقف هو
نفس موقف مجموعة من الفلاسفة ككارل ماركس وهربرت ماركيز
لكن، رغم القيمة الفكرية لموقف بول
ريكور، إلا أنه يمكن أن نؤكد أن التزييف والتشويه لا يقتصر فقط على ما هو اقتصادي
وسياسي، وإنما يتجاوزه إلى ما هو أخلاقي وتربوي. فقد أكد فريدريك نيتشه مثلا، أن
الإيديولوجيا ترتبط بما هو أخلاقي، حيث تتدخل علاقة الأسياد بالعبيد في تحديد
القيم الأخلاقية كقيمتي الأخير والشر. ولتيان ارتباط الإيديولوجيا بما هو تربوي
فيمكن استحضار موقف عالم الإجتماع بيير بورديو والذي يؤكد أن المدرسة عبارة عن
وسيلة لإعادة إعادة نفس الوضع القائم، أي هينمة طبقة دون الأخرى.
كما يمكن أن نؤكد أن حسب لوي
ألتوسير أن للإيديولوجيا بعدا لاواعي، فهو لا يرى أنها ترتبط بالوعي، بل تتأسس على
الوهم والخيال، وتستهدف التأثير على الأفراد وتحديد طبيعة العلاقة التي ينبغي أن
تربطهم بواقعهوبظروف عيشهم.
0 تعليقات