المجزوءة الأولى: مجزوءة ما الإنسان؟
تأطير النص
يعود النص للمحللة النفسية
النمساوية ميلاني
كلاين، ومن ثمة فالنص ينتمي نظريا إلى علم النفس التحليلي،
وبذلك فسيكون تناوله للرغبة من زاوية سيكولوجية.
إشكال النص
ما العلاقة بين الرغبة والحاجة؟ كيف يتدخل
إشباع الرغبات في تحديد شخصية الفرد؟ وهل ترتبط الرغبة بما هو شعوري أم بما هو لا
شعوري؟
أطروحة النص
يتضمن النص أطروحة مضمونها
أن الطفل لا يحتاج فقط إلى التغذية، بل أكثر من ذلك فهو بحاجة إلى إشباع رغباته وأن
طريقة إشباع الطفل لرغباته هي التي تحدد شخصيته.
تحليل أطروحة النص
لا تتحدد علاقة الطفل بثدي أمه في
حاجته إلى الطعام فقط،بل تتحدد أيضا في رغبته في التخلص من قلقه الإضطهادي أي مجموع مشاعر الألم والتضايق التي يشعر بها
الرضيع عند حرامنه من الرضاعة، والتخلص من دوافعه التدميرية، أي التخلص من الغرائز التدمير المتأصلة في الإنسان،
والتي يمكن أن تتوجه نحو الذات كما يمكن أن تتوجه نحو أشياء العالمي الخارجي. وقد انطلقت ميلاني كلاني لتأكيد ذلك
من تحليل شخصية الراشد، لتتوصل إلى أن للطفل رغبة في أم قادرة على القيام بكل شيء، وأن تحمي ذاته من كل المعاناة والشرور، التي يكون
مصدرها من داخل الذات أو من خارجها .
اعتمادا على آلية الملاحظة – وهي حجة أساسية في النص
– تؤكد ميلاني كلاين أن طريقة الإرضاع تتدخل في تحديد شخصية الطفل، وهنا تميز بين
طريقتين. أما الطريقة الأولى فهي التي تكون أقل ضبطا لزمن الإرضاع وأكثر ملاءمة لحاجات
الرضيع، أما الطريقة الثانية فهي التي تلتزم التزاما صارما بأوقات محددة للإرضاع. وفي هذا السياق تؤكد ميلاني كلاين ان الطريقة الأولى لا تمكن الطفل الرضيع من يتخلص من دوافع التدميرية وقلقه الإضطهادي ومن آلامه
ومعاناته.
وتؤكد ميلاني كلاين في السياق
ذاته، استنادا
إلى سماعها لبعض الراشدين، أن عدم احترام مساحة البكاء
الفاصل بين الرغبة تحقيقها، لن يسمح للطفل أن يعبر بالبكاء عن قلقه وعن توتراته ومعاناته.
وذلك لأنه لم يتمكن من أن يجد لدوافعه التدميرية ولا لقلقه الاضطهادي مخرجا يتنفس من
خلاله... وبالمقابل، إذا كان إحباط رغبة الطفل غير مبالغ فيه، فإن ذلك
بإمكانه أن يساعده على التكيف السليم مع العالم الخارجي، وأن يتطور لديه مفهوم الواقع.
وهنا تؤكد ميلاني كلاين أن الإحباطات التي تليها مجموعة أخرى من التحفيزات والتشجيعات، الصادرة
عن الأم، تمكن الطفل من الشعور أنه قادر على
مواجهة قلقه، كما أن عدم تلبية رغباته هي التي تساهم في فتح الطريق مستقبلا للإعلاء
وللأنشطة الإبداعية.
لتنتهي ميلاني كلاين في نصها هذا، إلى أن
هذا الصراع بين الرغبة وإشباعها يساهم في بناء شخصية الفرد، كما
يعتبر اساس العملية الإبداعية.
خلاصة تركيبية لموقف ميلاني كلاين
يتلخص موقف ميلاني كلاين في كون
علاقة الطفل بثدي أمه لا تتحدد فقط في الحاجة إلى التغذية، بل أكثر من ذلك فهي
تتحدد في تحقيق مجموعة من الرغبات وخاصة الرغبة في التخلص من القلق الإضطهادي وفي التخلص من دوافعه التدميرية. كما أن شخصية الفرد تتحدد من خلال الصراع بين
رغباته وإشباعها في مرحلة الرضاعة، وأن الموازنة بين الإحباط والتحفيز هو أساس
الإعلاء وأساس العملية الإبداعية.
0 تعليقات