الميتافيزيقا عند ديكارت - يونس عنوري

فيلوكلوب ديسمبر 06, 2019 ديسمبر 07, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: الميتافيزيقا عند ديكارت من خلال كتاب التأملات - يونس عنوري
-A A +A

الميتافيزيقا عند ديكارت 


بقلم الطالب يونس عنوري


طالب بشعبة الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط 


    يعتبر كتاب التأملات في الفلسفة الأولى، من بين أهم الكتب التي كتبها الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في الميتافيزيقا بوجه عام، وفي النفس الإنسانية ووجود الله بوجه خاص، بالرغم من انتقاده للميتافيزيقا واعتبارها بالعقيمة، ودعوته الى نبذها وتجاوزها، الا انه عاد اليها ودرسها وألف فيها كتابا هو المذكور سلفا، اذ شبه ديكارت الفلسفة بشجرة جذعها الميتافيزيقا وفروعها الفيزيقا وباقي الفروع المتفرعة هي كل من الطب والميكانيكا والاخلاق. من هنا يحق لنا التساؤل حول مفهوم الميتافيزيقا؟ وما الطرق التي انتهجها ديكارت في تناوله لأهم قضاياها؟ وكيف استدل على وجود الله والعالم؟
     الفلسفة عند ديكارت تبدأ بالميتافيزيقا؛ لأنها جذور الفلسفة، وهذه الأخيرة في معناها العام هي البحث والسعي نحو بلوغ الحقيقة دون امتلاكها، وهي معرفة كونية بالأشياء في شموليتها، حيث تبحث فيما يجب أن يكون وليس فيما هو كائن، من خلال النظر في العلل البعيدة. ديكارت في كتابه تأملات في الفلسفة الأولى، استند على الشك لاستنباط الحقائق، بدءا من ذاته، باعتبار اشك تمهيدا للفلسفة، حيث قال: "تبين لي، منذ حين، أنى تلقيت، اذ كنت ناعم الأظافر طائفة من الآراء الخاطئة، ظننتها صحيحة، ثم وضح لي ان ما نبنيه بعد ذلك على المبادئ، تلك حالها من الاضطراب، لا يمكن ان يكون الا امرا يشك فيه، كثيرا، ويرتاب منه. لهذا قررت ان احرر نفسي، جديا، مرة في حياتي، من جميع الآراء التي آمنت بها قبلا."[1]
    بعد الشك يأتي اليقين، بعدما شك ديكارت في كل الاشياء المكتسبة عن طريق الحواس اذ يقول:" كل ما تلقيته الآن، على انه اصدق الأمور، واوثقها، قد اكتسبته بالحواس، او عن طريق الحواس، غير أنى وجدت الحواس خداعة، في بعض الأوقات، ومن الحكمة الا نطمئن ابدا كل الإطمئنان الى من يخدعنا ولو مرة واحدة"[2]. ومن هنا ألغى مكتسبه عن طريق الحواس، اذ بعد ذلك كان من الضروري ان يعتمد على منهج محكم يفضي لحقائق دقيقة، وعلى اعتبار ان رينيه كان رياضيا، استعان بالمنهج الرياضي الهندسي باعتبار ان في ثنايا هذا الاخير شيء بقيني لا سبيل للشك فيه، لذلك قرر اقامة فلسفة على اساس رياضي هندسي، وذلك لطبيعة المقدمات الرياضية التي تمتاز بالنظام والترابط، الذي يفضي في الاخير إلى نتيجة صحيحة.
    استند ديكارت على مجموعة من التأملات، بدءا من التأمل الأول في الاشياء المادية، ثم العودة الى وجود الله وانتهاء بوجود الأشياء المادية وحقيقة الفارق بين نفس الانسان وجسمه. الاساس في هذه التأملات هو براهين وجود الله واثباته انطلاقا من الشك المنهجي الذي اتبعه ديكارت للوصول الى الله انطلاقا من الأنا مرورا بالله ووصولا الى العالم وانتهاء بالوجود.
     لإثبات وجود الله لابد من الإنطلاق من محاولتين؛ محاولة التعرف على الوجود انطلاقا من الأثار، اي معرفة الصانع انطلاقا من الصنائع. وهذا نفس الطرح الذي اثاره الفيلسوف العربي ابن رشد الذي حث على ضرورة التأمل والاعتبار " إن كان فعل الفلسفة ليس شيء أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع أعنى من جهة ما هي مصنوعات، فإن الموجودات انما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها وانه كلما كانت المعرفة بصنعتها اتم الا وكانت المعرفة بالصانع اتم".[3]
     استناد على مجموعة من البراهين التي من خلالها خلص ديكارت على هناك صانع. البرهان الأول القائم على النظر؛ حيث نظر ديكارت الى نفسه باعتباره كائن ناقض يشك، و هذا الاخير، اي طبيعة الشك في الانسان، هي صفة نقص نمتاز بها، و هذا النقص لديه عبارة عن فكرة لم يكن ليعرفها ولو لم تكن له فكرة على ان هناك كامل مطلق، اذ انه لا يمكن لفكرة الكمال ان توجد في غفلة نتاج مجموعة من الكمالات الناقصة، لأن هذه الفكرة لم يضعها الموجود الكامل اللامتناهي، بالتالي فهذه الفكرة حول هذا اللامتناهي المطلق هو الله؛ لأن من خلال فكرة الكمال في العقل التي لم توضع هكذا، بل وضعها واضع و هذا الذي وضعها هو اللامتناهي الموجد الذي اوجد الوجود.
    يتساءل حول علة وجوده ويجيب متسائلا: لو انني خلقت نفسي بنفسي لكنت قد صورت نفسي كامل بدون اي صفة نقص، بالتالي ما دمت ناقص، فالذي من ورائي هو كامل الذي اوجدني. انتقل ديكارت من وجود النفس باعتبارها جوهرا مفكرا، و من اثبات الله الى اثبات وجود العالم، واستنبط العالم من الله و تيقن بوجوده، اذ يتساءل حول اذا كان يحمل في ذهنه مجموعة من التصورات و الأفكار مثل الامتداد و الحركة و الزمن، فإلى جانب هذه التصورات و الأفكار تكون لدي فكرة اعتقاد ان هذه التصورات مطابقة للعالم الخارجي اي انها اتت من اشياء خارجية مستقلة عن نفسي و عن الله، لهذا فإن المبرر نحو الاعتقاد ان فكرة الامتداد التي اتصورها حادثة في نفسي بتأثر شيء خارجي ممتد لا يمكن ان يكون كاذبا الا لكان الخالق مضللا، و هذا انتقاص في حق الموجد.
    اعتمد المعلم الاول في دراسته للميتافيزيقا، بدراسة فيزيقا العالم المادي والانتقال الى العالم المجرد للامادي، وصولا الى الموجد، في حين فلاسفة الحقبة والوسيطة بصفة عامة انطلقوا من معرفة الله الى اثبات وجوده، عكس ديكارت الذي انتهج منهج شكيا هندسيا من اثبات الذات مرورا من الله وصولا للعالم عن طريق منهج محكم دقيق وذلك في تناوله لأهم القضايا الميتافزيقية التي ارقت الانسان منذ القدم.

المراجع المعتمدة:

·       رينيه ديكارت، حديث الطريقة، ترجمة عمر الشارني، المتظنة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2008.
·       ديكارت، تأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة كمال الحاج، منشورات عويدان، بيروت، باريس، الطبعة الرابعة، 1988.
·       ابن رشد، فصل المقال، دار المشرق، الطبعة الكاثوليكية، بيروت، لبنان.


[1]  ديكارت، تأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة كمال الحاج، منشورات عويدان، بيروت، باريس، الطبعة الرابعة، 1988 ص 13
[2] المرجع نفسه ص14
[3]ابن رشد، فصل المقال، دار المشرق، الطبعة الكاثوليكية، بيروت، لبنان ص37

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/