"تشكل التربية النقطة التي يتقرر فيها ما إذا كنا نحب هذا العالم بما يكفي لنتحمل مسؤوليته و نعمل على إنقاذه من هذا الخراب الذي سيؤول إليه حتما، لولا هذا التجدد، و لولا وفود اليافعين الجدد عليه"[1] [1]
د. زهير الخويلدي / كاتب فلسفي
التربية
هي تبليغ الشيء إلى كماله وذلك عن طريق تطوير الملكات المعرفية عند الإنسان
بالتدريب وتنمية الوظائف النفسية بالتمرين واكتساب المهارات. وحينما يربى المرء فإن
ملكاته تتقوى و قدراته تزيد وسلوكه يتهذب ويصبح صالحا للحياة الاجتماعية و مؤهلا
للوسط المدني و معمرا للأرض و مدبرا لصلاح الكون. اللافت للنظر أن ريكور لم يترك
فلسفة للتربية واضحة المعالم و لكنه يستنجد بالتربية كتدبير إتيقي بعد أن بان له
فشل سلطة السياسة و واجب الأخلاق في اقتلاع بذور الشر المزروعة في الطبيعة و
الثقافة الإنسانيتين على السواء و قد اقتدى بأعمال ليسنغ في «تربية النوع البشري»
و جون جاك روسو في سفره الكبير "إميل" و بكانط في كتابه "في التربية" و تأثر
أيضا بحنة أرندت في مقالها أزمة التربية.[2] [2]فكيف شخص بول ريكور أزمة التربية في
المؤسسات التعليمية الغربية؟ ما هي أسباب الأزمة التربوية؟ وما طبيعة تأثير هذه
الأزمة على التطور العلمي والسلم المدني والتنوير الثقافي؟ و هل قدم البديل
المطلوب؟ لقد توجه التفكير في التربية عند ريكور نحو نزع طابع الشر عن الفعل
الإنساني و تأسيس شروط إمكان الفعل الحصيف الخال من العنف و الكذب و ارتكاب الأذى
و إحداث الضرر للغير و دون تخليف الضحية، ولذلك كان هاجس ريكور الأكبر هو اتباع
تربية تنظم الفضاء العمومي وفق قيم الديمقراطية وبما يسمح بالعيش المشترك
والمحافظة على التعددية واحترام الاختلاف وصيانة الحقوق والحريات وضمان التنوع. كما
تحرص التربية على إقامة علاقات إتيقية بين الذوات ترتكز على قيم الثقة بالذات من
أجل التخلص من جميع أشكال العنف و بلوغ الاندماج الطبيعي و على قيم احترام الذات
من أجل تفادي كل أشكال الحرمان والاستبعاد و الوصول إلى الاندماج الاجتماعي و على
قيم تقدير الذات من أجل التخلص من مشاعر الاهانة والازدراء و تعزيز مبادئ الحب في
العائلة و الحق في المجتمع و التضامن في الدولة. علاوة على ذلك يكشف ريكور
عن التوازن الصعب الذي تقوم به التربية بين الطبيعة و الثقافة و بين الهمجية و
الحضارة و ذلك بتأكيده أن «التربية بالمعنى القوي للكلمة لا يمكن أن تكون سوى
التوازن العادل و الصعب بين مطلب الموضعة أي التكيف و مطلب التفكير و اللاّتكيف،
هذا هو التوازن الممتد الذي يبقي الإنسان واقفا"[3].[3] لذلك تهم قضية التربية كل
إنسان و تشغل بال كل ذات و تطرح في المسافات الفاصلة و الواصلة بين الأفراد و
الجماعات. كما أنها مسألة حيوية و مصيرية ترتبط بتشريع التعدد الذي يسم الوضع
الإنساني و تسهر على احترامه و تدبيره و تنظيمه في إطار ديمقراطي من التعايش
السلمي و التفاهم بين الأفراد. ان السؤال عن التربية هو من الثراء و التعقد بحيث
يعاد طرحه بشكل دائم في كل منعطف تمر به المدينة و كل هزة يعرفها مجتمع و ان
مسؤولية المربي الإنصات إلى الفيلسوف محب الحكمة من أجل ترتيب المطالب و تدقيق
المسائل و تجويد الطرق و تبويب الأهداف و تصويب الأنظار نحو النافع من العلوم. من المعلوم أن فيلسوف
الحوارات الكبرى بول ريكور في كتاب «الانتقاد و الاعتقاد» يميز بين علمانية الدولة
التي تتصف بالامتناع و الانغلاق و الفصل و اللاأدرية المؤسساتية و تحرص على الأمن
و النظام و تطلب من المواطنين الطاعة و علمانية المجتمع المدني التي تتميز
بالديناميكية و الفعالية و تنخرط في النقاش العمومي و تحرص على الحقوق والتعددية و
تطلب من المواطنين المشاركة و ممارسة الحرية و التحلي بالمسؤولية و احترام الغير و
تقبل الرأي المخالف. كما يدعو ريكور إلى علمنة المدرسة و الدولة بإدخال علمانية
النقاش و ليس الامتناع إلى مجال التربية و يدعو إلى حرية التعليم و تحرير قطاع
التربية و جعله في جبهة المواجهة التي يدبرها المجتمع المدني ضد سياسات الدولة
السلبية و القائمة على الامتناع و إدراجه ضمن دائرة النقاش العمومي و الخلاف
المعقول وأن يحصل حول توافق بواسطة التقاطع من قبل مكونات الجماعة السياسية والأطراف
المتواجهة. بيد أن ريكور يعترف
بالمكان الصعب الذي توجد فيه مؤسسات التعليم وذلك لأن التوازن الذي تبحث عنه
التربية في المجتمع هو توازن هش وعسير المنال طالما أن الدولة تريد أن تسجد فيها
استراتيجيا الامتناع بينما المجتمع المدني يحاول أن يوظفها في استراتيجيا النقاش
العمومي و صناعة الرأي العام المضاد. في الواقع، «ما يجعل مشكل
المدرسة عويصا هو أنها تتبوأ منزلة وسطى بين الدولة، التي تعتبر هي تعبيرا عنها
بوصفها خدمة عمومية...، والمجتمع المدني الذي يستثمر فيها إحدى وظائفه الأهمية:
التربية بوصفها أكثر الخيرات الاجتماعية الأولية التي يتعين توزيعها "[4] .[4] ما
يترتب عن ذلك هو مناداة ريكور بأمرين أساسيين: الأول هو اعتبار التربية من الشؤون
التي يتولاها المجتمع المدني و يقوم بتوزيعها بشكل متساو و عادل، و الأمر الثاني
هو إخراج هذا القطاع من الوظيفة العمومية التي تحدد بصورة كلية من طرف الدولة و
تحاول فرضها على الجميع والابتعاد عن ادعاء تعليم الناس الحقيقة المطلقة و تحول
السياسي إلى مربي للقيم والاعتراف بحرية التعليم في الدستور من أجل التشريع
للاختلاف واحترام التعددية و تنمية الأقليات و إبرام توافقات ضرورية لإدارة العيش
المشترك. لكن «الوضع غير المستقر والصعب للمدرسة ينبغي أن يصلح موضوعا للاعتراف من
حيث هو كذلك، ويتعين بهذا الصدد تبرير فتح باب للتفاوض. فكما أننا نتوفر على لجان
استشارية في مجال الأخلاق لمناقشة الحالات القصوى التي تطرحها البيولوجيا، كذلك يلزم
أن نملك هيئة لمناقشة مشاكل التعليم الديني في المدرسة بحيث تتألف من ممثلين عن
الدولة و المجتمع المدني"[5] ».[5]
هكذا ينتبه ريكور إلى أهمية الاشتغال على تطوير التربية والتعليم من أجل الرد على تحد إشكالية الشر ويدعو إلى معالجة القضية من زاويتين: الأولى إعلامية بتوفير معرفة للتلاميذ عن ماضيهم الخاص و تراثهم الثقافي جنبا إلى جنب مع القيم الكونية و الانفتاح على روح العصر و ماضي الثقافات الأخرى.
ينقد ريكور نزعة التمركز على الذات و استبعاد الآخر التي تعاني منها الثقافة الغربية ذات الجذور اليهودية المسيحية ويدعو إلى الاعتراف بدور الخصوصيات المغايرة والثقافات القومية في بناء الكونية والمشاركة في صنع التاريخ الأممي ويدعو إلى إدماج الأفكار والقيم المنسية والمُهَمّشة وخاصة الإسلام والشرق. بطبيعة الحال «لقد أنتجت المسيحية خلال صيرورتها التفكيكية ايديولوجيا اقتصاد السوق.. وبهذا تتواجد في قلب الاقتصاد العالمي و أيضا ضمن الجماعة السياسية الدولية عن طرق الحروب والقانون الدولي"[6][6] . أما الزاوية الثانية فترتبط بالتربية على النقاش و الحجاج و المجادلة و النقد الذاتي و المواجهة بين قناعات وازنة و نبذ التعصب و الدوغمائية و الانطواء على الذات و الاطلاع على التعددية و احترام التنوع و الكثرة. و بالتالي» إن أقصى ما يمكن أن أطلبه من الغير ليس أن ينخرط فيما أعتقد وإنما أن يقدم أفضل حججه[7] .[7] علاوة على ذلك يربط ريكور بين التعليم الديمقراطي و التربية على الديمقراطية و حقوق الإنسان و يشترط أن توفر المدرسة العمومية و الخاصة ثلاث مكونات لقيام نظام مجتمعي ديمقراطي و تعددي: و هي قيم الأنوار من تسامح واختلاف وعقلانية وتقدم، وتصور تحرري للدين يؤمن بفرضية وجود الحقيقة خارج إطار الاقتناع، ومكون رومانسي حيوي يشجع على الحب والحياة والفن والطبيعة والخلق وشجاعة الوجود[8] .[8]
زد على ذلك يدعو ريكور إلى التخفيض من المنسوب الإيديولوجي في الأنظمة التربوية و الترفيع من المنسوب الثقافي و ذلك بتوفير حس تاريخي أكثر و حس إيديولوجي أقل و تحقيق انعطاف من تعليم بنكي يعيد إنتاج النظام الاجتماعي القائم إلى تعليم مختلف يعالج المشاكل المرتبطة بالعلمانية و المواطنة.
«طالما كانت الأنظمة التربوية نتاج التاريخ بل التواريخ شديدة الاختلاف من بلد إلى آخر، و طالما ارتبطت هذه الأنظمة بالإنتاج البطيء للدولة الحديثة مع أو ضد الكنيسة "[9].[9]كما "النقاش الدائر حول المدرسة العمومية و الخاصة سيكسب مزيدا من الوضوح إذا أعدنا له مرجعياته التاريخية"[10] [10] وخلصنا المؤسسة الدينية من بنيتها الملكية ومن نموذجها الهرمي الاستبدادي وبددنا الوهم الذي يرى أن ضرورة نقاء السياسة يستوجب فك الارتباط مع المقدس و كل ما يشير إلى الإيمان و التحرر من كل مرجعية ثيولوجية و انتبهنا إلى الحقيقة الساطعة و هي أن «جذر السياسي و أساسه هناك لغز أصل السلطة"[11].[11] إن مهمة المدرسة عند ريكور حيوية وهامة فهي الحاضنة التي يولد فيها النوع الثالث من العلمانية المغاير لعلمانية الدولة و علمانية المجتمع المدني و تعمل على تربية الناس على الحوار العقلاني و معالجة المشاكل بطريقة ودية و التعود على المرونة في المفاوضات و تقدم ضمانات للارتقاء الاجتماعي و تحرر الناس من الضغط و الخوف و تعطل قرارات المنع، و هي أيضا الإطار المؤسساتي الذي يشرع للتعددية الدينية و يقوم بتحييدها و يميز نقديا بين السياسي و الديني و بين الإيديولوجي و المعرفي و يحقق الزواج الصعب بين الانتقاد و الاعتقاد و يدمج البعد النقدي في الاعتقادات الخاصة و يعيد الاعتبار إلى الإيمان في عصر ما بعد الدين.
هكذا ينتبه ريكور إلى أهمية الاشتغال على تطوير التربية والتعليم من أجل الرد على تحد إشكالية الشر ويدعو إلى معالجة القضية من زاويتين: الأولى إعلامية بتوفير معرفة للتلاميذ عن ماضيهم الخاص و تراثهم الثقافي جنبا إلى جنب مع القيم الكونية و الانفتاح على روح العصر و ماضي الثقافات الأخرى.
ينقد ريكور نزعة التمركز على الذات و استبعاد الآخر التي تعاني منها الثقافة الغربية ذات الجذور اليهودية المسيحية ويدعو إلى الاعتراف بدور الخصوصيات المغايرة والثقافات القومية في بناء الكونية والمشاركة في صنع التاريخ الأممي ويدعو إلى إدماج الأفكار والقيم المنسية والمُهَمّشة وخاصة الإسلام والشرق. بطبيعة الحال «لقد أنتجت المسيحية خلال صيرورتها التفكيكية ايديولوجيا اقتصاد السوق.. وبهذا تتواجد في قلب الاقتصاد العالمي و أيضا ضمن الجماعة السياسية الدولية عن طرق الحروب والقانون الدولي"[6][6] . أما الزاوية الثانية فترتبط بالتربية على النقاش و الحجاج و المجادلة و النقد الذاتي و المواجهة بين قناعات وازنة و نبذ التعصب و الدوغمائية و الانطواء على الذات و الاطلاع على التعددية و احترام التنوع و الكثرة. و بالتالي» إن أقصى ما يمكن أن أطلبه من الغير ليس أن ينخرط فيما أعتقد وإنما أن يقدم أفضل حججه[7] .[7] علاوة على ذلك يربط ريكور بين التعليم الديمقراطي و التربية على الديمقراطية و حقوق الإنسان و يشترط أن توفر المدرسة العمومية و الخاصة ثلاث مكونات لقيام نظام مجتمعي ديمقراطي و تعددي: و هي قيم الأنوار من تسامح واختلاف وعقلانية وتقدم، وتصور تحرري للدين يؤمن بفرضية وجود الحقيقة خارج إطار الاقتناع، ومكون رومانسي حيوي يشجع على الحب والحياة والفن والطبيعة والخلق وشجاعة الوجود[8] .[8]
زد على ذلك يدعو ريكور إلى التخفيض من المنسوب الإيديولوجي في الأنظمة التربوية و الترفيع من المنسوب الثقافي و ذلك بتوفير حس تاريخي أكثر و حس إيديولوجي أقل و تحقيق انعطاف من تعليم بنكي يعيد إنتاج النظام الاجتماعي القائم إلى تعليم مختلف يعالج المشاكل المرتبطة بالعلمانية و المواطنة.
«طالما كانت الأنظمة التربوية نتاج التاريخ بل التواريخ شديدة الاختلاف من بلد إلى آخر، و طالما ارتبطت هذه الأنظمة بالإنتاج البطيء للدولة الحديثة مع أو ضد الكنيسة "[9].[9]كما "النقاش الدائر حول المدرسة العمومية و الخاصة سيكسب مزيدا من الوضوح إذا أعدنا له مرجعياته التاريخية"[10] [10] وخلصنا المؤسسة الدينية من بنيتها الملكية ومن نموذجها الهرمي الاستبدادي وبددنا الوهم الذي يرى أن ضرورة نقاء السياسة يستوجب فك الارتباط مع المقدس و كل ما يشير إلى الإيمان و التحرر من كل مرجعية ثيولوجية و انتبهنا إلى الحقيقة الساطعة و هي أن «جذر السياسي و أساسه هناك لغز أصل السلطة"[11].[11] إن مهمة المدرسة عند ريكور حيوية وهامة فهي الحاضنة التي يولد فيها النوع الثالث من العلمانية المغاير لعلمانية الدولة و علمانية المجتمع المدني و تعمل على تربية الناس على الحوار العقلاني و معالجة المشاكل بطريقة ودية و التعود على المرونة في المفاوضات و تقدم ضمانات للارتقاء الاجتماعي و تحرر الناس من الضغط و الخوف و تعطل قرارات المنع، و هي أيضا الإطار المؤسساتي الذي يشرع للتعددية الدينية و يقوم بتحييدها و يميز نقديا بين السياسي و الديني و بين الإيديولوجي و المعرفي و يحقق الزواج الصعب بين الانتقاد و الاعتقاد و يدمج البعد النقدي في الاعتقادات الخاصة و يعيد الاعتبار إلى الإيمان في عصر ما بعد الدين.
مجمل القول أن «المدرسة هي فضاء علمانية وسيطة
بين علمانية الامتناع و تلك التي تقترن بالمواجهة، فضاء علمانية أسميها ثالثة؟
إننا برأيي نتواجد في وضعية العاجز و لا نملك إلا حلول قمعية لأننا لم نبلور هذا
المفهوم الخاص بالعلمانية الثالثة و هذا أمر مأسوف عليه[12] ».[12] فهل تقدر التربية على
تدارك هذا النقص السياسي؟ و كيف السبيل لإدراك نوع من التوازن و التوافق
الصراعي الجيد في مجتمع تعددي؟
لقد تناول ريكور في مقال له عنوانه «الكلام و مملكتي» نشره في مجلة «فكر» في فيفري سنة 1955 مسألة التربية و ركز على بناء علاقة تربوية بين التلميذ و المؤسسة التعليمية تحميه من التأثيرات الطفيلية للشارع و المجتمع و انتبه إلى وجود تفاوت بين الأشخاص في صورهم عن أنفسهم و تمثلاتهم لأدوارهم في المجتمع و لا مساواة في المعرفة بين المتعلمين مما يعرض إحساسهم بقيمة الكرامة البشرية إلى الاهانة ويعرقل تواصلهم و تعاونهم و يفسر ذلك بأن التعليم يحرص على إعادة إنتاج النظام القائم بدل إدخال الاضطراب في علاقات الهيمنة و تراتبية السلطة و إتاحة الفرصة لأبناء الطبقات الشعبية للارتقاء الاجتماعي. " بكل تأكيد تعني التربية مجموعة الوسائل المستخدمة في تنشئة الأطفال "[13] [13]بالمعنى الايجابي لكلمة تنشئة كما أكد على ذلك مونتاني. لكن حنة أرندت تدعو إلى التخلي عن الطوباوية السياسية للتربية التي تزعم التحسين لللاّمحدود للعالم الإنساني و تأسيس عالم مختلف للقادمين الجديد عن طريق الولادة الطبيعة بمغادرتهم زمن الطفولة وتوجيههم في المرحلة المضطربة للمراهقة و دخولهم مجتمع الراشدين. هكذا تعتبر أرندت اعتبار التربية وسيلة من وسائل السياسة و التعامل مع السياسة كشكل من أشكال التربية خطأ فادحا تكريس للنزعة التسلطية و زرع للدكتاتورية و فرض الراشدين لوصايتهم على الأطفال و التعامل معهم كقاصرين يجب برمجتهم و حرمانهم من فرصة الابتكار و منعهم من المشاركة في ولادة عالم جديد. نحن "لا نستطيع تربية الراشدين فإن لفظ التربية في السياسة يحدث صدى سيئا "[14] [14]و الحجة على ذلك هي ضرورة خلو التربية من أية وظيفة سياسية لأننا السياسة تريد تربية الراشدين و تتوجه إلى أناس سبق لهم أن تلقوا تربية و بالتالي تريد أن تكون وصيا عليهم و تحرمهم من مواطنيتهم و تسحب منهم كل دافعية سياسية و جاهزية للمشاركة و تحمل المسؤولية و تعاملهم كقاصرين و تمارس عليهم لغة الإكراه و القوة. في هذا الإطار «مهما كانت مقترحات عالم الراشدين جديدة فهي في نظر الجدد قديمة بالضرورة لأنها تفوقهم سنا. و إنه لمن خاصيات الوضعية البشرية أن يترعرع كل جيل جديد داخل عالم قديم. و عليه فإن إرادة تكوين جيل جديد من أجل عالم جديد، ليست في الواقع سوى رغبة في حرمان الوافدين الجدد من فرص الابتكار"[15] [15] . كما تدعو أرندت إلى التخلص من وهم بناء الأحياء على تراث الأموات و خلق عالم جديد عن طريقة تربية الأطفال، و تسند إلى التربية مهمة فعلية و هي تفكيك الاستلاب إزاء العالم الناتج عن الأزمة التي تسببت فيها الطريقة الآلية في التفكير و إتباع بيداغوجيا براغماتية و توقف المعرفة و الفهم على الممارسة و الفعل و الابتعاد عن تعليم معارف و التبشير بتعليم يكسب مهارات و النظر إلى التعليم باستمرار إلى أنه معرفة ميتة و استبدال التعلم بالفعل و الفعل باللعب و التحرر كليا من مادة التعلم و فقدان المدرس لسلطته و تساويه في المعرفة مع تلاميذه و تجفيف مصدر شرعيته، و أن تزرع ثقافة المواطنة و الديمقراطية و حقوق الإنسان و مساعدة الراشدين على التخلص من عالمهم القديم و ولوج العالم الجديد الذي خلقه الوافدون الجدد. ربما ما يأخذه ريكور من حنة أرندت هو الرسالة الإيتيقية للتربية و النظر إلى مبادئ التربية على أنها مبادئ إيتيقية و ذلك بإعادة الاعتبار إلى السلطة و النفوذ و الإنشداد إلى الماضي بشكل مغاير و العيش السوي بين الأجيال بحيث لا يستطيع تربية الراشدين و لا يتم معاملة الأطفال كراشدين. هكذا يجب أن تحرص المؤسسة التربوية على تعليم الناس ماهية العالم و تقوم بتدبير إيتيقي لمعنى الوجود و تجعلهم يعتزون بتراثهم و هوياتهم و لغتهم و ثقافتهم دون الوقوع في الانغلاق و التعصب و ليس تلقين طرق الحياة. علاوة على أن «الأخلاقيات الخاصة بمبادئ هذه التربية توجد في توافق تام مع المبادئ الإيتيقية و الأخلاقية للمجتمع بشكل عام. فالتربية هي بكل بساطة ما يجعلك تدرك أنك جدير بأجدادك و يمكن للمربي أن يكون عند قيامه بهذه المهمة شريكا في النقاش و شريكا في العمل لأن نظره مشدود إلى الماضي بشكل مختلف"[16] .[16]
غاية المراد أن الحلول المقترحة من أرندت لأزمة التربية تتمثل في الانتقال من خدمة السياسة إلى الإيتيقا[17] [17] ورسم خط فاصل بين الأطفال والراشدين وتأهيلهم للعيش داخل نفس العالم بشكل مختلف، و بعد ذلك إزالة التعارض بين التقليد و الخلق و السلطة و الحرية، و التفكير في تعليم ما بعد بيداغوجي ونقد التخصص والتشجيع على الجذع المشترك و تعدد المناهج و التداخل بين العلوم و إعادة الوصل بين التربية و التعليم حتى لا تكون مجرد تحضير إلى الحياة المعنية و الاغتراب عن مشروع تأهيل الإنسان للانخراط في العالم. على هذا المنظور «لا يمكننا أن نربي دون نعلم في نفس الوقت، لأن التربية تكون فارغة من دون تعليم و قد تتحول إلى خطابة عاطفية أو أخلاقية لكن من الممكن أن نعلم بسهولة دون أن نربي و يمكن للمرء أن يستمر في التعلم طيلة حياته دون أن يكتسب تربية. لكن ذلك كله ليس سوى تفاصيل يجب تركها للخبراء و البيداغوجيين "[18] ».[18]من هذا المنطلق تدعو أرندت إلى إنهاء هذه المنزلة تربية دون تعليم و تعليم دون تربية. لأن تربية الإنسان لنفسه هو مشروع فكري و إيتيقي يستمر كامل العمر و لا يتوقف على الفترة الذي يتعلم فيها الإنسان في المدرسة و يحصل فيها على الشهادة العلمية (الديبلوم) التي تؤشر له المرور إلى التخصص و الوظيفية.
في هذا الصدد يدرس ريكور في فصل معنون: «إصلاح و ثورة الجامعة» منشور في مجلة فكر Esprit سنة 1968 و في كتاب قراءات1 مسألة تدريب المؤسسة التربوية على الحريات و تناقض ذلك الثقل و البنية الهرمية و الحالة المرضية التي تعاني منها هذه المؤسسة و هو ما يمنع قيامها بهذا الدور و أهمية تعويض الجامعة بمعاهد عليا خفيفة و إصلاحية و لعل الهواء المليء بالغبار المنبعث من السوربون أثناء ثورة الطلاب في عام 1968 و طموحهم اللاّمعقول في نفي و تفكيك هذه المؤسسة الهرمية و تحول ذلك إلى نوع من اليوتوبيا هو الذي يبرر مثل هذا التصور. لقد كان ريكور في الآن نفسه غير راض بمنهج الإصلاح في المجال التربوي و البحث العلمي و ذلك لاقتصاره على سد الثغرات دون تداركها و تبرير النقائص دون معالجتها بشكل جذري و ناقدا للمنهج الثوري الذي ينتهي إلى العدمية و الفوضى و يعشق التحطيم بدل البناء و يفضل الخلخلة عوض إعادة التأسيس[19] .[19]
يعترف ريكور بوجود تناقض بين منطق المعرفة و التفكير الذي يحرض على السؤال و على حرية البحث وعلى قول اللاّ Non و شد الرحال إلى تجارب النقد و منطق المؤسسة الجامعية الذي يحرص على المحافظة على النظام و الالتزام بالبرنامج المسطر وإتباع التقاليد وتقديم فروض الولاء والطاعة وإعادة إنتاج النفوذ. فالمربي هو أبعد أن يكون مفكرا حرا وناقدا متهكما ومثقفا عضويا وأقرب من الموظف ورجل الجهاز والبرنامج [20] .[20]
هكذا لا ينبغي على التربية أن تعمل على إذابة مواطنية الإنسان و تكرس اغترابه عن هويته و عن شعوره بذاته و إنما يجب أن تساعد على خلق فرد حر و مجموعات نشطة و تعتمد على فرق متفاعلة و شخصيات مبدعة وفاعلين مشاركين في الشأن العام وكائنات مسؤولة وقامات فكرية تترك مشاريع كبرى وآثار غنية تشجع على التعاون والتكاتف وتشرع في تطهير المجتمع من المفاسد و تهذيبه وإفلاحه من الأسفل إلى الأعلى. و بعبارة أخرى «يمكن لمنشئة جامعية أن تشتغل بعض الوقت على أساس أن الطلبة هم الذين يسيرون المؤسسة" [21]،[21]و لذلك تمثل التربية وساطة رمزية بين الباث والمتقبل وبين المعرفة المنتجة و الاستعمال الاجتماعي للمعرفة ويحقق المربي المباعدة بين الذات العارفة و أفق الانتظار من طرف الجمهور والمسافة النقدية التي تساعد على التحرر من وطأة اليومي و سلطان الفكرة الأولى و دكتاتورية المباشر وتوفر أرضية ملائمة للتعود على التعلم البطيء و التأقلم مع متغيرات الزمن وتقلبات التاريخ وما تحمله من أشياء جديدة وقيم غير مألوفة. الجدير بالذكر أن في حضن التعليم ينشر المربي علامات الوعد ويوزع دون توقف طقوس الغفران ويلتزم بقيم العفو ويكرس سماحة الإنصاف ويشجع على قص الذات وتحويل السيرة الشخصية إلى تاريخ يسرد. لكن كيف ساهمت بحوث ريكور التربوية في ميلاد توجهات جديدة في فلسفة التعليم وساعدت على تغيير طرق تدريس المعرفة؟ وماذا تحمل الفلسفة السردية معها من حقائب تعلمية ووسائط تجديدية و معايير توجهية إلى الحقل التربوي؟
الإحالات والهوامش:
لقد تناول ريكور في مقال له عنوانه «الكلام و مملكتي» نشره في مجلة «فكر» في فيفري سنة 1955 مسألة التربية و ركز على بناء علاقة تربوية بين التلميذ و المؤسسة التعليمية تحميه من التأثيرات الطفيلية للشارع و المجتمع و انتبه إلى وجود تفاوت بين الأشخاص في صورهم عن أنفسهم و تمثلاتهم لأدوارهم في المجتمع و لا مساواة في المعرفة بين المتعلمين مما يعرض إحساسهم بقيمة الكرامة البشرية إلى الاهانة ويعرقل تواصلهم و تعاونهم و يفسر ذلك بأن التعليم يحرص على إعادة إنتاج النظام القائم بدل إدخال الاضطراب في علاقات الهيمنة و تراتبية السلطة و إتاحة الفرصة لأبناء الطبقات الشعبية للارتقاء الاجتماعي. " بكل تأكيد تعني التربية مجموعة الوسائل المستخدمة في تنشئة الأطفال "[13] [13]بالمعنى الايجابي لكلمة تنشئة كما أكد على ذلك مونتاني. لكن حنة أرندت تدعو إلى التخلي عن الطوباوية السياسية للتربية التي تزعم التحسين لللاّمحدود للعالم الإنساني و تأسيس عالم مختلف للقادمين الجديد عن طريق الولادة الطبيعة بمغادرتهم زمن الطفولة وتوجيههم في المرحلة المضطربة للمراهقة و دخولهم مجتمع الراشدين. هكذا تعتبر أرندت اعتبار التربية وسيلة من وسائل السياسة و التعامل مع السياسة كشكل من أشكال التربية خطأ فادحا تكريس للنزعة التسلطية و زرع للدكتاتورية و فرض الراشدين لوصايتهم على الأطفال و التعامل معهم كقاصرين يجب برمجتهم و حرمانهم من فرصة الابتكار و منعهم من المشاركة في ولادة عالم جديد. نحن "لا نستطيع تربية الراشدين فإن لفظ التربية في السياسة يحدث صدى سيئا "[14] [14]و الحجة على ذلك هي ضرورة خلو التربية من أية وظيفة سياسية لأننا السياسة تريد تربية الراشدين و تتوجه إلى أناس سبق لهم أن تلقوا تربية و بالتالي تريد أن تكون وصيا عليهم و تحرمهم من مواطنيتهم و تسحب منهم كل دافعية سياسية و جاهزية للمشاركة و تحمل المسؤولية و تعاملهم كقاصرين و تمارس عليهم لغة الإكراه و القوة. في هذا الإطار «مهما كانت مقترحات عالم الراشدين جديدة فهي في نظر الجدد قديمة بالضرورة لأنها تفوقهم سنا. و إنه لمن خاصيات الوضعية البشرية أن يترعرع كل جيل جديد داخل عالم قديم. و عليه فإن إرادة تكوين جيل جديد من أجل عالم جديد، ليست في الواقع سوى رغبة في حرمان الوافدين الجدد من فرص الابتكار"[15] [15] . كما تدعو أرندت إلى التخلص من وهم بناء الأحياء على تراث الأموات و خلق عالم جديد عن طريقة تربية الأطفال، و تسند إلى التربية مهمة فعلية و هي تفكيك الاستلاب إزاء العالم الناتج عن الأزمة التي تسببت فيها الطريقة الآلية في التفكير و إتباع بيداغوجيا براغماتية و توقف المعرفة و الفهم على الممارسة و الفعل و الابتعاد عن تعليم معارف و التبشير بتعليم يكسب مهارات و النظر إلى التعليم باستمرار إلى أنه معرفة ميتة و استبدال التعلم بالفعل و الفعل باللعب و التحرر كليا من مادة التعلم و فقدان المدرس لسلطته و تساويه في المعرفة مع تلاميذه و تجفيف مصدر شرعيته، و أن تزرع ثقافة المواطنة و الديمقراطية و حقوق الإنسان و مساعدة الراشدين على التخلص من عالمهم القديم و ولوج العالم الجديد الذي خلقه الوافدون الجدد. ربما ما يأخذه ريكور من حنة أرندت هو الرسالة الإيتيقية للتربية و النظر إلى مبادئ التربية على أنها مبادئ إيتيقية و ذلك بإعادة الاعتبار إلى السلطة و النفوذ و الإنشداد إلى الماضي بشكل مغاير و العيش السوي بين الأجيال بحيث لا يستطيع تربية الراشدين و لا يتم معاملة الأطفال كراشدين. هكذا يجب أن تحرص المؤسسة التربوية على تعليم الناس ماهية العالم و تقوم بتدبير إيتيقي لمعنى الوجود و تجعلهم يعتزون بتراثهم و هوياتهم و لغتهم و ثقافتهم دون الوقوع في الانغلاق و التعصب و ليس تلقين طرق الحياة. علاوة على أن «الأخلاقيات الخاصة بمبادئ هذه التربية توجد في توافق تام مع المبادئ الإيتيقية و الأخلاقية للمجتمع بشكل عام. فالتربية هي بكل بساطة ما يجعلك تدرك أنك جدير بأجدادك و يمكن للمربي أن يكون عند قيامه بهذه المهمة شريكا في النقاش و شريكا في العمل لأن نظره مشدود إلى الماضي بشكل مختلف"[16] .[16]
غاية المراد أن الحلول المقترحة من أرندت لأزمة التربية تتمثل في الانتقال من خدمة السياسة إلى الإيتيقا[17] [17] ورسم خط فاصل بين الأطفال والراشدين وتأهيلهم للعيش داخل نفس العالم بشكل مختلف، و بعد ذلك إزالة التعارض بين التقليد و الخلق و السلطة و الحرية، و التفكير في تعليم ما بعد بيداغوجي ونقد التخصص والتشجيع على الجذع المشترك و تعدد المناهج و التداخل بين العلوم و إعادة الوصل بين التربية و التعليم حتى لا تكون مجرد تحضير إلى الحياة المعنية و الاغتراب عن مشروع تأهيل الإنسان للانخراط في العالم. على هذا المنظور «لا يمكننا أن نربي دون نعلم في نفس الوقت، لأن التربية تكون فارغة من دون تعليم و قد تتحول إلى خطابة عاطفية أو أخلاقية لكن من الممكن أن نعلم بسهولة دون أن نربي و يمكن للمرء أن يستمر في التعلم طيلة حياته دون أن يكتسب تربية. لكن ذلك كله ليس سوى تفاصيل يجب تركها للخبراء و البيداغوجيين "[18] ».[18]من هذا المنطلق تدعو أرندت إلى إنهاء هذه المنزلة تربية دون تعليم و تعليم دون تربية. لأن تربية الإنسان لنفسه هو مشروع فكري و إيتيقي يستمر كامل العمر و لا يتوقف على الفترة الذي يتعلم فيها الإنسان في المدرسة و يحصل فيها على الشهادة العلمية (الديبلوم) التي تؤشر له المرور إلى التخصص و الوظيفية.
في هذا الصدد يدرس ريكور في فصل معنون: «إصلاح و ثورة الجامعة» منشور في مجلة فكر Esprit سنة 1968 و في كتاب قراءات1 مسألة تدريب المؤسسة التربوية على الحريات و تناقض ذلك الثقل و البنية الهرمية و الحالة المرضية التي تعاني منها هذه المؤسسة و هو ما يمنع قيامها بهذا الدور و أهمية تعويض الجامعة بمعاهد عليا خفيفة و إصلاحية و لعل الهواء المليء بالغبار المنبعث من السوربون أثناء ثورة الطلاب في عام 1968 و طموحهم اللاّمعقول في نفي و تفكيك هذه المؤسسة الهرمية و تحول ذلك إلى نوع من اليوتوبيا هو الذي يبرر مثل هذا التصور. لقد كان ريكور في الآن نفسه غير راض بمنهج الإصلاح في المجال التربوي و البحث العلمي و ذلك لاقتصاره على سد الثغرات دون تداركها و تبرير النقائص دون معالجتها بشكل جذري و ناقدا للمنهج الثوري الذي ينتهي إلى العدمية و الفوضى و يعشق التحطيم بدل البناء و يفضل الخلخلة عوض إعادة التأسيس[19] .[19]
يعترف ريكور بوجود تناقض بين منطق المعرفة و التفكير الذي يحرض على السؤال و على حرية البحث وعلى قول اللاّ Non و شد الرحال إلى تجارب النقد و منطق المؤسسة الجامعية الذي يحرص على المحافظة على النظام و الالتزام بالبرنامج المسطر وإتباع التقاليد وتقديم فروض الولاء والطاعة وإعادة إنتاج النفوذ. فالمربي هو أبعد أن يكون مفكرا حرا وناقدا متهكما ومثقفا عضويا وأقرب من الموظف ورجل الجهاز والبرنامج [20] .[20]
هكذا لا ينبغي على التربية أن تعمل على إذابة مواطنية الإنسان و تكرس اغترابه عن هويته و عن شعوره بذاته و إنما يجب أن تساعد على خلق فرد حر و مجموعات نشطة و تعتمد على فرق متفاعلة و شخصيات مبدعة وفاعلين مشاركين في الشأن العام وكائنات مسؤولة وقامات فكرية تترك مشاريع كبرى وآثار غنية تشجع على التعاون والتكاتف وتشرع في تطهير المجتمع من المفاسد و تهذيبه وإفلاحه من الأسفل إلى الأعلى. و بعبارة أخرى «يمكن لمنشئة جامعية أن تشتغل بعض الوقت على أساس أن الطلبة هم الذين يسيرون المؤسسة" [21]،[21]و لذلك تمثل التربية وساطة رمزية بين الباث والمتقبل وبين المعرفة المنتجة و الاستعمال الاجتماعي للمعرفة ويحقق المربي المباعدة بين الذات العارفة و أفق الانتظار من طرف الجمهور والمسافة النقدية التي تساعد على التحرر من وطأة اليومي و سلطان الفكرة الأولى و دكتاتورية المباشر وتوفر أرضية ملائمة للتعود على التعلم البطيء و التأقلم مع متغيرات الزمن وتقلبات التاريخ وما تحمله من أشياء جديدة وقيم غير مألوفة. الجدير بالذكر أن في حضن التعليم ينشر المربي علامات الوعد ويوزع دون توقف طقوس الغفران ويلتزم بقيم العفو ويكرس سماحة الإنصاف ويشجع على قص الذات وتحويل السيرة الشخصية إلى تاريخ يسرد. لكن كيف ساهمت بحوث ريكور التربوية في ميلاد توجهات جديدة في فلسفة التعليم وساعدت على تغيير طرق تدريس المعرفة؟ وماذا تحمل الفلسفة السردية معها من حقائب تعلمية ووسائط تجديدية و معايير توجهية إلى الحقل التربوي؟
الإحالات والهوامش:
[1] حنة أرندت، أزمة التربية، مجلة الأزمنة الحديثة
المغربية، عدد مزدوج 3- 4، أكتوبر 2011، ترجمة حماني أقفلي وعز الدين
الخطابي،. ص. 17. هذا المقال هو الفصل الخامس من كتاب حنة أرندت : أزمة الثقافة Crise de la culture, 1972، الذي نشرته دار غاليمار في ترجمته الفرنسية
عام 1972 ويمتد من صفحة 223 إلى 253.
[3] Ricœur (Paul) , Histoire et vérité,
édition du Seuil. 1955/ 1964 , travail et parole, p. 227: « l’éducation au sens
fort du mot, n’est peut-être que le juste mais difficile équilibre entre
l’exigence d’objectivation – c’est-à-dire d’adaptation- et l’exigence de
réflexion de désadaptation ; c’est cet équilibre tendu qui tient l’homme
debout ».
[13] Voir Gilbert Vincent , Penser l’éducation,
avec Hannah Arendt et Paul Ricœur. Journée de l’Association Paul Ricœur:
Quelle éducation pour quel monde commun ? (samedi 2 juin 2012). p. 02.
http://
www. fondsricoeur. fr/ photo/ Penser% 20l% 20education% 20GVincentjournee%
20Ricoeur (1). pdf
[17] Gilbert Vincent , Penser l’éducation, avec
Hannah Arendt et Paul Ricœur. pp. 5. 6: « Ricœur n’aura de cesse de
rappeler, au plan de l’éthique, l’importance de la sollicitude, correctif des
rigueurs de la loi et de la passion excessive de l’égalité qui peut l’inspirer.
La sollicitude est la réponse qui convient, face à l’appel généralement muet de
la personne fragile ; de l’enfant, en particulier ; surtout de l’enfant que
rien, dans sa famille ou sa culture d’origine, n’a préparé à affronter
l’univers scolaire ; de l’enfant à qui un monde de règles, de règlements et de
procédures est encore étranger
[19] Ricœur (Paul) , Histoire et vérité,
op.cit. p. 147. « le péril d’une révolution qui ne prend pas sa propre fin pour
source et pour moyen est d’avilir l’homme sous le prétexte de libérer et de
renouveler seulement la figure de ses aliénations. »
المصادر والمراجع:
Ricœur
(Paul) , Histoire et vérité, édition du Seuil.Paris, 1955/ réédition
1964.
Paul
Ricœur. Lectures 1, Autour du politique, édition du Seuil. 1991,
Ricœur
(Paul) , La critique et la conviction (entretiens) , édition
Calmann-Levy. 1995.
Gilbert Vincent , Penser l’éducation, avec
Hannah Arendt et Paul Ricœur. Journée de l’Association Paul Ricœur: Quelle
éducation pour quel monde commun ? (samedi 2 juin 2012). p. 02.
http://
www. fondsricoeur. fr/ photo/ Penser% 20l% 20education% 20GVincentjournee%
20Ricoeur (1). pdf
مجلة الأزمنة الحديثة المغربية، عدد مزدوج 3- 4، أكتوبر2011 .
0 تعليقات