الفلسفة السياسية وإشكالاتها.. إشكالية الديمقراطية نموذجا
حمزة كدة / طالب باحث بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط تخصص الفلسفة
تعتبر الفلسفة السياسية
فرعا مهما وأساسيا من فروع الفلسفة العامة، وهي تركيب للفظتين، هما الفلسفة والسياسة.
الفلسفة غايتها السعي نحو بلوغ الحقيقة دون امتلاكها، وهي تنظيم مستمر لعملية التعقل
واكتشاف المبادئ المنظمة للتطبيق العملي، بينما مفهوم السياسة فقد ارتبط عند اليونان
بمعنى تدبير شؤون المدينة/الدولة (أثينا)، التي مثلت أول فضاء للممارسة السياسية، وهو
ما يدل عليه المعنى الاشتقاقي (المدينة)، وبمعنى أدق السياسة هي فن لتدبير أمور المدينة
أو الدولة عبر مؤسسات سياسية، وإدارية، قانونية، اقتصادية، عسكرية، أي أنها علم القوة
وتنظيمها في المجتمعات.
تكاد كتب تاريخ
الفلسفة السياسية والدراسات الكرونولوجية في هذه الفلسفة أن تجمع القول على أن أولى
التأملات المنهجية المنظمة في ظاهرة السلطة السياسية ترجع إلى الفكر السياسي اليوناني
منذ القرن 6 ق.م، على هذا النحو نشأة الفلسفة السياسية ودونت لأول مرة من خلال الحياة
السياسية التي وجدت عند اليونان، خصوصا مع سقراط والسوفسطائيين، ورغم هذا لا يمكن إنكار
ما قدمته الحضارات الشرقية القديمة من فكر سياسي، كونها عرفت أفكارا سياسية مميزة،
رغم ارتباطها بالأسطورة والخرافة.
هكذا يظهر جلياً،
أن الإرهاصات والبواكر الأولى للفكر السياسي، ظهرت منذ فجر التاريخ، مع ظهور أولى الحضارات
الإنسانية على وجه الأرض أي الحضارات الشرقية القديمة، على هذا النحو يمكن القول أن
الفكر السياسي قد مر من ثلاث لحظات أساسية:
- في اللحظة الأولى
: كان فيها الفكر السياسي عند المشارقة لصيقاً ومرتبطاً بالخرافة والأسطورة والدين.
- في اللحظة الثانية
: ارتبط فيها الفكر السياسي بالأخلاق (سقراط - السوفسطائيين)، وأضحى يمتاز بالدقة والصرامة
المنهجية وبالحدس النقدي والبناء، وهذا ما جعل ليوستروس وجوزيف كروسي يعتبرون في الجزء
الأول من كتابهم "تاريخ الفلسفة السياسية" أن سقراط هو مؤسس الفلسفة السياسية،
كونه أول من حول وجهة الفلسفة نحو البحث في الأمور الإنسانية.
- في اللحظة الثالثة،
محاولة انفصال الفكر السياسي عن الأخلاق والدين، مع ماكيافيلي.
مما لا شك فيه أن
هناك العديد من الكتابات والمواقف والدراسات، التي تتوق لتأكيد فكرة شبه حاسمة، مفادها
أن السؤال المحوري للفلسفة السياسية هو، كيف يمكن للقوة أن تتوافق مع المعقولية في
المجتمعات؟، والجهاز القادر على ذلك حسب هذه المواقف هو الدولة، هكذا تبحث الفلسفة
السياسية في دلالات مفاهيم الدولة والسلطة والحق والعدالة والحرية والقانون والمواطنة،
والديمقراطية ويعد هذا الأخير من أهم الاشكالات والمفاهيم التي تعالجها الفلسفة السياسية.
فماهي الديمقراطية؟
وماهي الأسس والخصائص
والمبادئ التي تقوم عليها؟
لا شك أن فكرة الديمقراطية
أثارت جدلا واسعا، ومازالت تثيره، نظرا لما تحمله من غموض واختلاف الآراء حول تحديدها
من طرف معظم الكتابات، لذلك لكي تزول الشوائب من هذه الفكرة، ولكي يختفي اللبس من هذا
المفهوم، وجب الغوص في تحديدها أكثر، وتحديد خصائصها ومبادئها، فضلا عن تأصيلها عبر
مختلف المراحل الفلسفية التاريخية، هكذا يظهر جليا أن مفهوم الديمقراطية سيبقى مفهوما
غامضاً يحمل في طياته معاني جوفاء غير واضحة، إن لم يتم تحديد وتكريس مجموعة من المبادئ
والأسس التي تتميز بها، قصد إزالة كل الشوائب التي تحوم حول فكرة الديمقراطية.
إنه لمن المعلوم
أن الديموقراطية كلمة من ابتكار اليونانيين، فقد ولدت وترعرعت في كنف الحضارة اليونانية،
بالضبط في مدينة أثينا، (أيام حكم Pericles) التي لعبت دورا فعالا في نضج الديمقراطية، في المقابل مع سيادة الديمقراطية
في أثينا، بلغت الفلسفة اليونانية أوج ازدهارها.
وهذه الكلمة في
اليونانية هي "Demoskratos" التي تتكون من Demos
وتعني "الشعب"، و من Kratos وتعني الحكم أو السلطة، بمعنى أن الديمقراطية لغويا
هي حكم الشعب.
الشائع أن الديمقراطية
تعرف بأنها حكم الشعب، أي حكم الشعب نفسه بنفسه ولأجل نفسه، لكنه تعريف غير جامع ومانع،
في رأي معظم الفلاسفة والمفكرين والكتاب، كون أن هذا التعريف غير قابل للتطبيق من الناحية
العملية، بل تبقى فقط غاية وهدف تطمح الديمقراطية في تنفيذه، وكون كذلك أن هذا التعريف
يجعلنا نتساءل عن أي شعب مقصود؟ هل الشعب هم عموم المواطنين أم الطبقة العريضة اجتماعيا
والفقيرة اقتصاديا أم غير ذلك؟
تجيبنا عدة آراء
ومواقف على هاته الإشكالات، ولعل من أبرز هاته الأراء، رأي المؤرخ "كيوسديد"
الذي اعتبر أن الشعب هو جميع المواطنين حكاما ومحكومين، وكذلك رأي الفيلسوف اليوناني
أفلاطون الذي اعتبر أن الشعب هو تلك الفئة الفقيرة التي تحترف العمل اليدوي.
وقد قسم أرسطو الشعب إلى أربع طبقات، صنفان يعيشان
في البوادي (الفلاحين - الرعاة) وصنفان آخرين يقطنون في المدن (التجار - الصناع). أما
روسو فقد اعتبر أن الشعب نوعين (المواطنين باعتبارهم مشاركين في السلطة - الرعايا الذين
يخضعون للقوانين).
وعليه لكي تتحقق
نوعا ما غاية الديمقراطية المتمثلة في ذاك التطبيق الفعلي والحقيقي لها، وجب تحديد
الشعب المقصود، فكما يقول Pericles
"ليس جميع الناس متساوين في المشاركة في الحكم"، وكما اعتبر أفلاطون كذلك،
أن الشعب لا يحكم، بل فئة قليلة نشيطة، أما الباقون فيجلسون في الساحة العمومية. كذلك
وجب تكريس مجموعة من المبادئ والخصائص التي تتميز بها الديمقراطية، وفيما يلي أبرز
هذه المبادئ.
هناك عدة مقومات
تتعلق بشكل الديمقراطية، منها الديمقراطية كنظام حكم سياسي، ثم الاحتكام إلى دستور
ديمقراطي، فضلا عن مبدأ حكم الأغلبية الذي ترتكز عليه الأنظمة الديمقراطية. كذلك هناك
عدة مبادئ تتعلق بكيفية ممارسة الديمقراطية، كمبدأ احترام الحريات والمساواة، ثم المشاركة
السياسية والتعددية الحزبية، ومبدأ الفصل بين السلط.
هكذا يظهر ملياً
من خلال ما سبق أن الديمقراطية في تحديدها الكوني تتوق لتطبيق وممارسة غايتها على أرض
الواقع المتمثلة في جعل الحكم في يد الشعب، إلا أن الأمر قد يحول دون ذلك نظرا لعدم
تكريس المبادئ والمقومات التي وجب تكريسها، ولاختلاف طبقات الشعب وعدم تحديد الشعب
المقصود، فهل الديمقراطية فعلا حكما للشعب؟ أم أنها محكمة للشعب على حد تعبير كارل
بوبر؟
____________________
المراجع المعتمدة
:
١) أميرة حلمي مطر
- "الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس" - دار المعارف.
٢) أحمد صابر حوحو
- مقال "مبادئ ومقومات الديمقراطية" - مجلة المفكر- العدد الخامس.
٣) علي خليفة الكواري
- قراءة في كتاب "المسألة الديمقراطية في الوطن العربي" - مركز دراسات الوحدة
العربية، بيروت 2002.
0 تعليقات