الکل يتحدث عن الاخلاق! ولكن ما هي الاخلاق؟
هل نعرف من أين أتت؟ ما مصدرها؟ من يقيمها ومن هو الوصي على ادامتها؟ هل هي سلوك ام
شعور؟ هل هي طوعية ام اجبارية؟ هل الاخلاق فطرية ام مكتسبة؟ هل العالم بلا اخلاق هو
عالم جيد؟ ماذا يحدث لو لم تكن هنالك اخلاق؟ نعود للسؤال الاول ما الاخلاق وماذا نقصد
بها؟ هل الاخلاق تختلف عن الاخلاقية؟ اخلاقيات العمل مثلاً!
لنفرق اولاً بين الاخلاق التي نكتسبها
من المحيط وتدخل في سلوكنا العام Morale والاتیقا او الاخلاقية الخاصة او
Ethique... فالاخلاق من
mores وتعني العادات والموروثات اما الاخلاقية فاصلها
ethos وایتولوجي تعني علم السلوك وهكذا
الاتيقيا ethics مشتقة وتعني
سلوك معين في اتجاه محدد اي ان اتيقيا الطب
bioethics مثلا تعني اخلاقيات الطب للطبيب اثناء العمل ولا
علاقة لها بتربية وشرف وسلوك الطبيب خارج عمله لان تلك
morale وهو يعكسها بطريقة منفصلة عن حياته المهنية.
الاصل في الكلمتين يوناني طبعاً.
اما دور الاخلاق بشكل عام هو ما تؤديه
من دور نبيل في المجتمع ضمن ضوابط المجتمع واشتراطاته حسب تقييم المجتمع نفسه سواء
اكان مجتمع علمي او بحثي او عشائري وهكذا ... وهكذا فان الانسان يمثل مجتمعه كما يقول
سارتر: حينما اختار نفسي يعني اني اختار الانسان. اختار فلاسفة كثر مصطلحات فلسفية
وتعابير اكثر غرابة لوصف الاخلاق والاخلاقية ولكن يبدو انهم يتفقون على ان الاخلاق
موقف الانسان من الاشياء والمواقف كثيرة ومتنوعة وتلك المواقف هي ما تحدد اتجاه بوصلة
الانسان الاخلاقية ومدونته الخاصة ازاء كل من اخلاق المجتمع واخلاقيات العمل وغيرها،ولكن
يبدو ان كرامة الانسان هي اهم اهداف الدرس الاخلاقي.
يرى دروا ان الدين وما يريده الرب من
العباد هو فلسفة من نوع واضح لأغراض ماورائية ،ولكن الفلسفة اوسع لأنها تبحث في كل
الاشياء بما فيها الاديان نفسها وتحاول ربط العلاقات والوشائج الاخذة في التباعد لان
ذلك عمل الفلسفة. فما يقوله الرب مثلا فوق مبدأ الاخلاق حسب المجتمعات ولكن الفلسفة
تحاول فهم الدين فهم انساني خالص دونما الركون للأفكار الغامضة والميتافيزيائيات العصية
على الفهم. ربما ذلك كان الاتجاه الوجودي في فرنسا عند كامو وسارتر ولكن دروا لا ينكر
دور الاديان في ترسيخ المبادئ الاخلاقية بينما لا يرى بعض الفلاسفة اي اهمية لذلك الجمود.
يذهب دروا لأبعد من تلك النقطة لدينتولوجيات
الاخلاق او الواجب والفضيلة ودورها في التعبير عن الخلق ودرجة نقاوة السلوك الانساني.
وهكذا كان ابوقراط الطبيب يرى ان الاخلاقية اهم ما يميز الطب لأنه يختص بالحياة والموت
والطبيب لا يفرق بين البربري واليوناني والاصفر والاسمر لان وظيفته تتعدى دور الانسان
الى كيان اخلاقي متجرد من العواطف المكتسبة فقد ينقذ الممرض عدوه او شخص خطير.
بناءً على ذلك نرى ان قضية الخلق قد تتعدى
مفهوم الفضيلة الى قضية واجب او مسؤولية اخلاقية ولعل الفيلسوف الالماني عمانويل كانت
قد اجاد في توصيف تلك الحالات. فهل الامتثال لأوامر الملك في قتل شخص بريء عملا اخلاقي؟
هل المعارضة والتعرض للتعذيب او الحبس عمل فضيل وهو جالب للمصائب؟ لذا نرى ان الدرس
الاخلاقي يتعدى التطبيقات العملية البسيطية في حياتنا اليومية. تلك التطبيقات قد تكون بسيطة
من جانب اخر ولكنها معقدة من الجانب الايتيقي لان الحياة تتقدم وتتغير والمشاكل تزول
وتحل مشاكل اكثر تعقيداً غيرها وعلى الفيلسوف والانسان البسيط ان يجدا حلولاً اخلاقية
مناسبة لها.
تختص الفصول الصغيرة الاخيرة بالاخلاقيات
الطبية بسبب التطور السريع في هذا الفضاء العلمي الشاسع ابتداءً من اصغر معالجة الى
التلقيح الصنعي وتجميد الاجنة او طفل الانابيب او الحمل بالانابة او الاستنساخ البشري
والتنسيل...الخ! فهل نحن من نقرر وليس للسماء صوت مسموع وليس لنا ان نصنع عذراً كما
يرى سارتر ام ان هنالك اخلاقيات دينية و روادع مجتمعية وكوابح انسانية تحول دون اتمام
تلك الصفقات العلمية والفتوحات التقنوية الدقيقة؟ الموضوع معقد جدا والجدال لاينقطع!
وفي الخاتمة هل علينا ان نعري جذور الاخلاق
و نمزق اوصالها كما فعل نيتشة وقال ان خلف تلك الاخلاق كواليس مقززة وحيل تافهة عقيمة
لا تنطوى على معنى! انها الظلام الذي يمنع نشوة الفنان وحكمته التراجيدية العليا لنذهب
الى ما ذهب اليه النازيون وغيرهم في القرن العشرين ...ام نستحضر الاخلاقية من رماد
السلوك البشري التعنيفي كما اراد ليفيانس! وان نسير ونحمل شعور الضمير الانساني تجاه
الانسانية جمعاء!
علينا ان نقول: ان الاهتمام بالاخر هو
الاخلاق والاخلاق هي ان نهتم بالاخر!
0 تعليقات