المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان؟
المفهوم : مفهوم الرغبة
المحور: الرغبة والسعادة
تحليل ومناقشة نص سينيكا
محاور الدرس:
- منهجية تحليل ومناقشة النص الفلسفي
- شرح منهجية تحليل ومناقشة النص الفلسفي
- تحليل ومناقشة نص سينيكا
منهجية تحليل ومناقشة النص الفلسفة
يقتضي
تحليل النص الفلسفي، منهجية للاشتغال
ولتنظيم العمل والمعرفة الفلسفية. وعلى العموم، فتحليل النص الفلسفي يقتضي الاشتغال
وفق أربع لحظات وهي: لحظة الفهم، لحظة التحليل، لحظة المناقشة، لحظة التركيب. مع
العلم أن هذه اللحظات مترابطة من حيث الموضوع الإشكالي. وهذه عناصر كل لحظة:
لحظة الفهم: (4 نقط)
الطرح الإشكالي للموضوع من خلال:
ü تحديد موضوع النص
ü صياغة إشكاله وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة.
لحظة التحليل: (5 نقط)
ü تحديد أطروحة النص وشرحها.
ü تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقات التي تربط بينها
ü تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن أطروحة النص
لحظة المناقشة: (5 نقط)
ü التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها وحدودها.
ü فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي يثيره النص
لحظة التركيب: (3 نقط)
ü استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
ü تقديم راي مدعم.
شرح منهجية تحليل ومناقشة النص الفلسفي
لحظة
الفهم
ü
تحديد موضوع النص: أن نقوم بتحديد الموضوع الذي يعالجه النص، من
خلال بيان موضوعه العام (الإنسان، الرغبة، الوعي...) وبيان موضوعه الإشكالي (هل
يثير إشكال علاقة الرغبة بالسعادة، أم علاقة الوعي باللاوعي، أم علاقة الرغبة بكل
من الحاجة والإرادة...) وأن أعبر عن ذلك في شكل فقرة مترابطة الأفكار.
ü
صياغة إشكاله وأسئلته الأساسية الموجهة
للتحليل والمناقشة: أي أن نقوم بطرح إشكالات وتساؤلات توجه اشتغالنا لحظة
التحليل والمناقشة، وبخصوص الإشكال فيتم تحديده بعد قراءة النص وفهم بشكل كاف.
لحظة
التحليل:
ü
تحديد أطروحة النص وشرحها: أول ما نقوم به في التحليل هو تحديد الأطروحة،
فهي التي سنعمل على تحليلها. والأطروحة هي الجواب المحدد على السؤال المحدد الذي
يطرحه النص.
ü
تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقات التي تربط
بينها: أي أن نقف عن مفاهيم النص وخاصة المفاهيم المشكلة لبنية الأطروحة. وبخصوص
بيان العلاقة بينها فيمكن أن نحدد إن كانت علاقة ترابط أم تناقض أم سببية أم
قطيعة...
ü
تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن أطروحة
النص: فالنص الفلسفي نص حجاجي، لأنه يقدم بنية حجاجية لإضفاء المعقولية على
الأطروحة والموقف ولإثباتها. وهنا لابد من كشف تلك البنية الحجاجية، ليس بطريقة
أسلوب كذا وأسلوب كذا، وإنما عبر كشف الحجة وتحديد مضمونها ووظيفتها.
لحظة
المناقشة
ü
التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها
وحدودها: بمعنى أن نقوم بتحديد ما يثمن الأطروحة وما يجعلها مقبولة (يمكن أن تكون
قيمتها قيمة معرفية من حيث إغنائها الإشكال الفلسفي، أو قيمة واقعية، من حيث تأكيد
الواقع لها، أو قيمة أخلاقية من حيث دفاعها عن قيمة أو قيم أخلاقية...) أما بخصوص حدود الأطروحة فيتم تحديدها عبر بيان
ما تنتقد فيه الأطروحة.
ü
فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي
يثيره النص: أي أن نقوم بمعالجة الإشكال باستحضار معرفة فلسفية (أو علمية) من أقوال
وأمثلة وأطروحات وتصورات، ولكن لابد من ارتباطنا بالإشكال العام وبمضمون النص.
لحظة
التركيب
ü
استخلاص نتائج التحليل والمناقشة: أن نقوم بصياغة خلاصة انطلاقا مما توصلنا
إليه منذ بداية التحليل إلى نهاية المناقشة.
ü
تقديم راي مدعم: وذلك عبر جوابنا على الإشكال من خلال أدلة
وحجج (يجب أن يكون جوابنا منطقيا ومدعما)
تحليل ومناقشة نص سينيكا
لا يكف
الإنسان عن الرغبة، إنه دائم الرغبة، وما إن يتم تحقيق رغبة ما حتى تنطلق رغبة أخرى. ومنه يتبين لنا أن اعتبار
الرغبة ماهية الإنسان من طرف الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، لم يأتي هكذا من
فراغ، وإنما له ما يبرره. وهكذا تكون الرغبة بمثابة جواب ممكن عن سؤال فلسفي عام
وأساسي، وهو سؤال: ما الإنسان؟. حيث لا يمكن أن نبحث في ماهية الإنسان دون الوقوف
عند الرغبة. لكن، إذا كانت الرغبة تشكل ماهية الإنسان، فهي تطرح أمامنا إشكالا
فلسفيا، وهو المتعلق بطبيعة علاقتها بالسعادة؛ فالرغبة تعبر أحيانا عن رغبات
الجسد، ويشكل تحقيق الرغبات سبيلا لتحصيل السعادة والبهجة، إلا أن الرغبة ليست
دائما سبيلا لتحصيل السعادة، بل قد تكون سبيلا للشقاء والألم. كل ذلك يدفعنا إلى
التساؤل عن العلاقة بينهما، وإن كانت علاقة اتصال وارتباط أم علاقة انفصال
وقطيعة.
إذن، ما
طبيعة العلاقة بين الرغبة والسعادة؟ هل هي علاقة اتصال وارتباط أم هي علاقة انفصال
وقطيعة؟ هل يؤدي إشباع رغبات الجسد إلى تحصيل السعادة أم أن تحصيل السعادة لا يتم
إلا عبر إرضاء متطلبات العقل والنفس؟ ألا يمكن القول بأن السعادة تتم عبر إشباع
رغبات العقل والجسد معا؟
إجابة
على التساؤلات الأخيرة المتعلقة بعلاقة السعادة بالرغبة، يذهب النص قيد
التحليل والمناقشة إلى تأكيد أطروحة
مضمونها أن الإنسان السعيد هو الإنسان المدرك للحقيقة والمتحرر من سيطرة الرغبات
والأحاسيس والألم والخوف، ومعنى ذلك أن السعادة رهينة بإدراك الإنسان للحقيقة،
وبتحرره من لطة وسيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. ولمزيد من التوضيح،
ولتحليل النص عموما والأطروحة خصوصا تحليلا
فلسفيا سنقف عند بنيتهما المفاهيمية والحجاجية.
بخصوص
البنية الفاهيمية للأطروحة وللنص في تتشكل بشكل اساسي من مفهوم السعادة، كما تتشكل
من مفاهيم أخرى ترتبط به وهي : الحقيقية، الرغبة، اللذة، العقل. أما بخصوص السعادة
فتعتبر غاية الغايات وتدل على حالة من الرضى التام للذات، تتسم بالقوة والثبات.
ويتضح من خلال النص أن السعادة تبرتط بالحقيقة بما هي دلالة على اليقين والصواب
والحق، كما ترتبط بالعقل باعتباره ملكة تميز الإنسان عن البهيمة وتمكنه من التمييز
بين الخطأ والصواب والخير والشر. لكنها تتعارض مع الرغبات بما هي دلالة على رغبات
الجسم والأحاسيس، كما تتعارض مع اللذة، أي
تلك اللذة التي تتحقق عبر إشباع رغبات الجسد المادية.
أما
بخصوص البنية الحجاجية -والتي ترتبط بالبنية المفاهيمية- فهي لغاية الإقناع
والإثبات. وقد انبنى النص بشكل أساسي على التأكيد والإثبات، حيث أكد على في مجمله
على ارتباط السعادة بالعقل والحقيقة والحكم السليم، ومن ثمة فهو ينفي أن ترتبط
السعادة بإشباع رغبات الجسد وشهواته. ومنه يتضح لنا أن النص ينبني على حجة أساسية
وهي التقابل، فلكي يوضح موقفه ويدافع عنه، قابل بين كل من السعادة والتعاسة، وبين
العقل والجسد، وبين الإنسان والبهيمة... إضافة إلى ذلك، وارتباطا بما سبق، فالنص
يقيم يمييزا بين الإنسان والحيوان، فإذا كان لا يستطيع التحرر من سلطة الرغبات،
وإذا كان غير عاقل وغير مدرك للحقيقة، فالإنسان متميز عليه بكل ذلك، ولذلك يستطيع
تحصيل السعادة. إضافة إلى ما قيل، فالنص اعتمد آلية الشرط، حيث حدد الشروط اللازمة
لتحصيل السعادة، ويتجل ذلك في قوله مثلا : " فنكونَ سُعداء إذا قبلنا بحاضرِنَا مهما
كان وإذا أحببَنَا ما نحن عليه؛ ونكونَ سُعداء أخيرًا عندما نترك للعَقلِ مُهمّةً تدبيرِ
جميع ما يتعلّقُ بوجودِنَا".
خلاصة القول، أن موقف النص يذهب إلى التأكيد، أن
سبيل تحصيل السعادة هو اتباع طريق العقل، ومعرفة الحقيقة، والتحرر من سلطة رغبات
الجسد وشهواته وأحاسيسه. لكن ألا يمكن القول، أنه من خلال العقل يمكن تعقيل
الرغبات وتسخيرها في بلوغ قدر من السعادة والبهجة؟
لا
يستقيم العمل الفلسفي دون نقد وحكم وتقييم للأطروحات والمواقف، إذا لا يكفي ونحن
نشتغل فلسفيا أن نقوم فقط بعرض الأطروحات أو تحليلها، ولذلك لابد من البحث في أهمية موقف النص وقيمته،
وايضا حدوده.
تتجلي
القيمة الفكر لموقف النص في كشفه العلاقة بين السعادة والرغبة وأيضا بين السعادة
وكل من العقل والجسد. إضافة إلى ذلك، فلا يمكن أننكر أن الرغبات كثيرا ما تقود إلى
الشقاء والتعاسة، وخاصة حين لا يتبع الإنسان في تلبيتها طريقة العقل، ولا يتحصن
بمنطق الأخلاق. هذا ما جعل الفيلسوف اليوناني أفلاطون يقول بأن هناك من الرغبات
رغبات غير مشروعة، وجب استئصالها ونبذها، وهي التي تتعارض مع العقل والأخلاق
والقانون. ويذهب مجموعة فلاسفة الإسلام إلى نفس موقف النص، حيث ذهب ابن مسكويه
مثلا إلى القول بأن أن كمال الإنسان ليس في اللذات الحسية، وأن ليست هي الخير
المطلوب والسعادة القصوى كما يظن العامة الرعاع وجهال الناس السقاط.
لكن، رغم
القيمة الفلسفية لموقف النص، ورغم ما يثمنه، إلا أننا يمكن أن نؤكد أنه أقاما فصلا
تعسفيا بين العقل والجسد، وهو ما انتقدته فلسفة اسبينوزا، التي اعتبرت أن الرغبة
تشكل ماهية الإنسانية، وذلك عبر هدم الهوة بين الذهن والجسم. وقد أكد اسبينوزا أن
السعادة تتحصل عبر تعقل الرغبات، وذلك من خلال فهمها ومعرفة حقيقتها وعللها
ودوافعها. يقول اسبينوزا "إن لكل إنسان القدرة على فهم نفسه وعواطفه بوضوح
وتمييز... وبالتالي فهو يعمل على التقليل من انفعاله بهذه العواطف"..
إضافة
غلى ذلك يمكن أن نؤكد، أن الرغبة قد تكون أساس السعادة وعمادها، فقد أكد أبيقور أن
اللذة هي بداية الحياة السعيدة ومنتهاها، وهذا القول تأكيد أن إرضاء الجسد ورغباته
ليس سبيلا للشقاء والتعاسة، وإنما هو أساس
الحياة السعيدة، لكن هذا لا يعني أن الأبيقورية تبيح التلذذ والمتعة بشكل لا
أخلاقي، بل تؤكد على ضرورة عدم السقوط في الشهوة الحسية والمبتذلة، وعلى ضرورة
السلوك وفق الفضيلة ووفق منطق الخير. وارتباطا بالموضوع يقول أبيقور: "إننا
لا نبحث عن أية لذة كانت، بل نحن نتازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من
إزعاج..." ومضمون هذا القول أن اللذة وإن كانت أساس الحياة السعيدة، فإن هناك
بعض اللذات التي يجب تجنبها والتنازل عنها.
حاصل القول
أن موضوع الرغبة وعلاقتها بالسعادة موضوع فلسفي بامتياز، وقضية إشكالية حقة، حيث
قادنا إلى البحث والتساؤل في ماهية الرغبة عامة، وفي علاقتها بالسعادة والتعاسة
بشكل خاص. ولعل أهم ما يمكن أن نستخلصه بعد هذه الأشواط من التحليل والمناقشة، هو
أن علاقة السعادة بالرغبة علاقة ملتبسة، لكن هذا لا يمنعنا من تحديد العلاقة
بينهما. فإشباع الرغبات يكون سبيلا لتحصيل السعادة متى كان هذا الإشباع محصبا ببعد
أخلاقي وعقلي، إذ لا يمكن أن تكون السعادة نتيجة أي فعل مناقض للعقل ولقيم
الأخلاق، وإلا كيف يمكن أن نفسر الندم والألم الذي يلي إشباع بعض الرغبات. ومنه
فيمكن للرغبة أن تكون طريقا للشقاء والتعاسة، وخاصة إن كان إشباعها غير خاضع
لتوجيه العقل السليم.
0 تعليقات