"تكلم حتى أراك" سقراط
إن اللغة هي مسكن الوجود، هكذا تكلم
الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر. فلا وجود للوجود إلا بوجود اللغة. ولذلك لم يبقى الإنسان
حبيس ذلك التحديد الفلسفي التقليدي، الذي ينظر إلى الإنسان باعتباره مجرد كائن عاقل
وواع، بل سيصير إضافة إلى ذلك كائنا رامزا. هذه الأهمية التي تكتسيها اللغة ليس من
منطلق أنها تشكل الوجود الإنساني فقط، بل لأنها، وبشكل خاص، هي التي تجعل التفكير أمرا
ممكنا.
إذن، فاللغة خاصية من خاصيات الإنسان
الأساسية، كما أنها تجعل منه كائنا رامزا. ومنه اتخذ التفكير الفلسفي، منذ الحقبة اليونانية،
قضية اللغة كقضية للتفكير والتساؤل. وقبل أن نحدد ما تطرحه هذه القضية من تساؤلات لابد
أولا أن نجيب عن سؤال ما اللغة؟ فلا يمكن أن نفكر فلسفيا في شيء قبل كشف مدلوله ودلالته.
تتحدد اللغة في دلالتها العامية باعتبارها
"كلام"، وهو هي نفس الدلالة التي تحملها اللغة في اللغة العربية، حيث تشتق من لغا، بمعنى الكلام الذي لا فائدة منه. لكن اللغة لا يمكن حصرها في فعل الكلام. نجد في معجم لالاند الفلسفي معنيين للغة : معنى خاصا ، ومعنى عاما . أما اللغة
بمعناها الخاص هي : «وظيفة التعبير الكلامي
عن الفكر داخليا وخارجيا »، بينما تعني اللغة في معناها العام: « كل نسق من العلامات
يمكن أن يتخذ وسيلة للتواصل ». ويحدد معجم لاروس، اللغة باعتبارها «القدرة الخاصة بالنوع البشري، على التواصل بواسطة
نسق من العلامات الصوتية (اللسان)، وهي قدرة تستخدم تقنية جسدية معقدة ، وتفترض وظيفة
رمزية ، ومراكز عصبية متخصصة وراثيا .»
إذن فاللغة تشمل الكلام، لكنها لا
تُحصر في الكلام، إذ تعني مجمل الرموز والعلامات التي يتخذها الإنسان كوسيلة للتواصل،
أو للتعبير داخليا أو خارجيا، كما أنها تستلزم تقنيات معقدة ومراكز عصبية متخصصة وراثيا.
بعد تحديدنا لدلالة اللغة يمكن تحدد
ما تطرحها من إشكالات انطلاقا من الوضعية-المشكلة التالية:
خرج رجل يتجول
بضواحي قريته التي تقع وسط الصحراء، طلبا للعزلة والراحة النفسية، لكن ضجيج القرية ظل يرافقه، فبدأ يبتعد أكثر وأكثر. بعد مدة قضاها بمفرده، قرر أن يعود إلى قريته، لكنه لم يتذكر من أي طريق
جاء، بحث عن أثر أقدام تدله إلى القرية لكنه لم يجدها، وبحث عن أثر قافلة يمكن أن تكون
قد مرت من نفس المكان، لكنه لم يجد أثرا، حينئذ شعر بأنه تاه عن القرية حقا. فكر في
أمر يعينه على العودة، ولم يجد حلا آخر عدا
أن يجرب النباح عسى أن تسمعه كلاب القرية فترد عليه، وذلك ما فعله حقا، أخذ
ينبح وينبح حتى سمعته كلاب القبيلة فبدأت هي الأخرى بالنباح. واستطاع الرجل تحديد مكان
القرية وطريق العودة. لكنه بعد أن عاد، اكتشف أنه لم يعد يتقن غير النباح.
j هل يمكن القول أن هذا لرجل الذي فقد لغته لايزال إنسانا؟
j هل يمكن القول أن الكلاب له لغة؟
j هل سيختلف تفكير الرجل قبل فقدان لغته وبعد فقدانها؟
وهل يمكنه أن يفكر في ذاته وفي طريق العودة وفي قريته بدون لغة؟
j هل نحن من نمتلك اللغة أم أن اللغة هي التي تمتلكنا؟
هل نتحدث كما نشاء ونستعمل الكلمات بكل حرية؟
0 تعليقات