" يتكون المجتمع من متكافئين أي من كائنات تمتلك هوية أولى ومنيعة تحت أشكال اللاّمساواة الواقعية التي تفرقهم"
د. زهير الخويلدي/ كاتب فلسفي
لقد تم السكوت عن نظريات التعاون والانسجام
في ظل صعود النظريات النيوليبرالية التي شجعت على الفردانية والانعزالية والتملك الذاتي
والاستحواذ ضمن دولة الرفاهية وبعد تراجع الأدوار التضامنية التي كانت تؤديها النظريات
الاشتراكية ضمن دولة الرعاية والمجتمع التكافلي الذي تسنده مؤسسات الحماية
.
كيف يمكن بناء نظرية حقوقية تعتمد على
مفاهيم التآزر والتأمين من أجل حماية المجتمع من التصدع؟
لقد طرحت نظرية المؤازرة نفسها كخيار
اجتماعي ثالث ما بعد اللّبيرالية والاشتراكية يحمل جملة من الآداب الإيتيقية والنماذج
الاقتصادية ونموذج مجتمعي تآزري ويقترح حلولا سياسية للانسداد التاريخي تجمع بين النجاعة
الحاصلة في الثورة الرقمية والمعاملات الإنسانية التي تلتزم بها العدالة الاجتماعية.
لقد كانت النظرية التضامنية مقتصرة على
تقديم المساعدة للشرائح المعوزة وإنقاذ الطبقة العاملة من الحاجة وتحسين الظروف المادية
التي تعيش ضمنها الطبقات الشعبية وتقوية منسوب التدخلات لفائدتها، لكنها تحولت في اللحظة
الراهنة إلى رئتين يتنفس بهما الاجتماع البشري للانتقال من وضع مأزوم يتصف بالتفاوت
والاستغلال والفساد والعنف إلى وضع سوي يتميز بالتقارب والتلاقي والتصالح والسلم والتوادد.
في الواقع يحتاج المرء في عصر العولمة
المتوحشة وفترات الانتقال السياسي حيث يسود الاضطراب واللاّيقين إلى تأمين نفسه وممتلكاته
ضد مخاطر الحروب والنزاعات وضمان بقائه واستحقاق وجوده عن طريق تمتين العلاقات مع الناس
وحسن الجوار والاندراج في المؤسسات التعاونية وتقوية العمق الإنساني المشترك وزرع التعاطف
وغرس المحبة وحرث الصداقة وتخصيب التكافل وإعادة بناء الثقة مع العالم.
لم تولد نظرية في التآزر إلا في مناخ
عام يشجع على التواصل والتبادل ويربط التنشئة الاجتماعية بالتربية على المواطنة الفاعلة
التي ترفض أشكال الانطواء والانعزال والسلبية وتقبل على المشاركة والمساهمة في المجهود
التضامني عن طريق العمل الخيري والفعل التطوعي والتبرعات والحراك المجاني والنافع.
لا يمكن للسياسة المواطنية أن تستعيد
الأخلاق السامية والقيم النبيلة إلا بنكران الذات والتضحية من أجل الصالح العام وفداء
الوطن وجعل إعطاء الحق هو منبع اكتساب القوة وربط ممارسة السلطة بالمحاسبة، ولا تستكمل
الجمهورية استحقاقات الثورة إلا بإتباع اقتصاد الالتزامات الاجتماعية وتحقيق مطالب
الشعب والقيام بالواجب مع المناضلين وعائلات الشهداء وأسر الضحايا من تنكيل وغطرسة
المستبدين والفاسدين.
يتنزل مفهوم التآزر ضمن البرنامج السياسي
للمصلحين الاجتماعيين الذين يسعوا إلى استكمال الثورة عبر تأسيس مشروع مجتمعي سيادي
وتنظيم تعاوني متجانس يكفل كل مستحق ويساعد كل طالب علم أو شغل.
تقوم سياسة التآزر على الاعتراف بالقيمة
الإجرائية للإخاء والمودة والمحبة إلى جانب الحرية والمساواة وبالتالي لا معنى لقيم
التآخي والتحابب والتوادد دون تتساوي في الحريات والحقوق ودون تبادل وتشارك للمنافع
والخيرات ودون المساعدة عند الحاجة والوقوف مع الصديق عند الضيق ومناصرة الجار المحتار.
لا يتعلق الأمر بالصدقة والإحسان والتبرعات
التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات الخيرية بل يتنزل ضمن المساعدة على بناء الوطن والمشاركة
في تعزيز مناعة المجتمع ضد الاحتياج والفقر وتدعيم الأمن الأهلي وينبع من احترام حقوق
الآخرين وتقدير مجهوداتهم واعتراف بمساهماتهم والتزام بالواجب والمسؤولية.
بيد أن التفكير السياسي الراهن احتاج
لانتفاضة إيتيقية لكي يعمل على تحويل طريقة طرح مشكل التضامن بحيث يضمن الحرية والكرامة
ويبرز صورة ناصعة للتآزر والتكاتف ودور للتأمين في العدالة والمساواة.
يساهم مبدأ المؤازرة في الصراع ضد الشر
الاجتماعي والمعركة ضد الكراهية والإقصاء والتمييز ويرفع من منسوب فعل الخير وإيتاء
ذوي القربى ومساعدة المساكين والمحتاجين ويدعم الصحة الخُلُقية للمجتمع ويندرج ضمن
مصطلح الدفاع الذاتي الذي تتسلح به الأفراد والمجموعات في سبيل تقوية المناعة الداخلية.
ليس التعاون مجرد سلوك نبيل يقوم به الفرد
تجاه غيره وإنما عنوان انتماء إلى المجموعة البشرية ومدخل لتأسيس علاقة تواصلية مع
الناس وتعاقدية مع المؤسسات تضمن التبادل على مستوى الحقوق والواجبات وطريقة علاجية
للتخلص من العقد ومقاومة الشرور والتصدي للآفات الاجتماعية مثل الاحتكار والنهب.
الهام في التآزر ليس صياغة نظام من الواجبات
تجاه الإنسانية وانما تشييد أنطولوجيا الكائن الاجتماعي التي ترتكز على جملة من الدعائم
مثل البر والتناصح بالحق عند الإقرار والتواصي بالصبر عند الشدائد.
تساعد المؤازرة على إعادة توزيع الثروات
بما يقلل من الفوارق بين الأغنياء والفقراء وبما يجعل الفقراء يكفون عن نقمتهم عن مالكي
وسائل الإنتاج وما يدفع الأغنياء إلى المعايشة الوجدانية مع الشرائح الشعبية.
لقد برز نظام التأمين في الحقبة مابعد
الصناعية على أنه طريقة قانونية في التعويض عن الخسائر وضمان موارد الانتاج ومسالك
التوزيع وابعاد المخاطر عن الممتلكات وتحقيق الاستقرار النسبي والأمان النفسي.
لقد اظهر التأمين كفاءة عالية في دفع
الناس الى التقليل من النفقات والتكاليف والخسائر والرفع من الأرباح والمدخرات وجعل
الحياة السياسية رهينة عند صناديق الضمان والتنظيم الإداري قلب النظام الاجتماعي. لكن
كيف تحولت فكرة التأمين من شعور جمهوري بالتضامن الاجتماعي إلى مشروع اقتصادي في التآزر
السياسي؟ وهل تنقذ الايتيقا التعاونية من الفساد الذي تسببت فيه السياسة التخاصمية
والاقتصاد التزاحمي؟
المصادر والمراجع:
- Bouglé Célistin, 1870-1941, le solidarisme, édition V.Giard et E. Brière, Paris, 1907.
- Bourgeois Léon,1851-1925 , la Politique de la prévoyance sociale, la doctrine et la méthode,1, l’action,2, édition bibliothèque Charpentier, Paris, 1914.
- Bourgeois Léon, solidarité, édition Armand Colin Paris, 1896.
- Chevalier J, la solidarité : un sentiment républicain ?, édition PUF, Paris, 1991.
- Durant Paul, la politique contemporaine de la sécurité sociale, édition Dalloz, Paris, 1953.
- Ewald François, l’état providence, édition Grasset, Paris, 1986.
- Gide Charles, l’idée de solidarité en tant que programme économique, édition V.Giard et E. Brière, Paris, 1893.
- Gide Charles, la solidarité économique, Essai d’une philosophie de la solidarité, Paris, 1902.
- Netter Francis, la sécurité sociale et ses principes, édition Sirey, Paris, 1959.
0 تعليقات