فيروس كوررونا يكشف حقيقة بعض المجتمعات والدول
سيكولوجية الأفراد وغياب فلسفة
إدارة الأزمات للدولة
الدكتور بلقاسمي مولود: متخصص في الدراسات الدولية
قال » ماكتمارا « وزير الدفاع
الأمريكي في مرحلة الحرب الباردة لقد انتهى عصر الاستراتيجية وبدأ عصر جديد يمكن ان نطلق عليه عصر إدارة الأزمات..
مع
إنتشار فيروس كورونا في العالم وإرتفاع عدد المصابين إنقسمت المجتمعات والدول إلى
قسمين: مجتمعات ودول تمتلك المعرفة والتقاليد العلمية وتمتلك مؤسسات ذات رؤية
إستراتيجية ومنهج علمي في الإدارة والتنظيم
ومجتمعات ودول أخرى تنتظر مصيرها المحتوم لعيشها في الشعبوية والفوضى
ومظاهر التخلف والفشل، لتجد المجتمعات حول العالم نفسها أمام أزمة تفرض عليها الدخول
في مرحلة تجربة وتحدي لسلوكيات المجتمع وثقافته ولقدراتها المؤسساتية، فإذا إنطلقنا بأن الدول أرقى
تجمع سكاني وتنظيم إجتماعي، وبالتالي تسييرها وتنظيمها لا يكون مثل باقي التنظيمات
التقليدية بل يجب أن تمتلك إستراتيجية شاملة وعقلانية تحتوي على مجموعة من الإستراتيجيات
القطاعية ومن ضمنها إستراتيجية إدارة المخاطر والأزمات وقدرتها على التكيف
والتعامل مع مخاطر وأزمات البيئة الإستراتيجية.
ومن
المفاهيم المستخدمة في هذه الورقة البحثية مفهوم الأزمة والتي تشير إلى حالة غير
عادية تؤدي إلى نتائج سلبية غير متوقعة وعدم قدرة المنظمة أو الدولة على تحقيق
أهدافها المحددة في الوقت المحدد ويمكن تعريفها على أنها تهديد وخطر لأهداف وقيم ومعتقدات
المجتمعات والمنظمات والدول والدخول في صراع على البقاء.
فيروس كورونا وسيكولوجية المجتمعات
يشير»لوران-هنري فينيو « إلى أن الأوبئة نتاج مشترك بين الطبيعة
والمجتمعات، بين الميكروبات والبشر، كما أن الجراثيم لا تصبح خطيرة إلا في ظروف
معينة ونتيجة لتدخل البشر.
على صعيد السلوك الإجتماعي للأفراد أدى انتشار وباء
كورونا إلى خلق حد أدنى من المسافة بين الأشخاص وبالتالي إنحلال بعض العلاقات
الإنسانية فحتى إرتداء قناع الوجه يختلف
في فلسفته بين المجتمعات، والذي يعتبر عند بعض الثقافات الآسيوية أمرا عاديا على
عكس المجتمعات الغربية التي تعتبره نوع من الأنانية خوفا من إنتقال الوباء، كما أن
بعض العادات الصحية والأسرية والإجتماعية عند بعض المجتمعات تشجع إنتشار الوباء
وتعرقل تطبيق إجراءات إدارة الأزمة.
وفي إطار سيكولوجية الأفراد وتأثير الأوبئة على
المجتمعات حيث يكون فيها الجميع يحذر من الجميع والكل ضد الكل، وتبدأ في الظهور
مشاهد غير مألوفة من أنانية وتدافع على المتاجر ومحاولة السباق مع الزمن لتخزين كل
شئ حتى أوراق الحمامات، وتنتشر حالة أخطر من إنتشار الفيروس وهي الخوف من المستقبل
والتشكيك في أي شئ وهي حالة شبيهة بسيكولوجية الحروب.
وقد أنتجت الأوبئة عبر التاريخ وخاصة فيروس
كورونا مفاهيم جديدة مثل الحجر الصحي والتعقيم الشامل غيرت من أنظمتنا الصحية –هدا
إن كانت لبعض المجتمعات المتخلفة نظام صحي- كما يشير إليها المؤرخ والخبير
الديموغرافي »باترييس بوردوليه « من مدرسة الدراسات العليا في العلوم
الاجتماعية، كما أن هده الأوبئة كان لها أثر هيكلي على تاريخ الصحة، فتجربة
المجتمعات والدول مع الأوبئة وخاصة التي لها القدرة على التعلم من تجاربها أنتجت حالة
من الوعي بضرورة وجود إستراتيجية لإدارة المخاطر والأزمات والتوجه نحو جيل جديد من
الخبراء في مجال الفيروسات وفي مجال إدارة المخاطر والأزمات كما يشير إلى ذلك عالم الجغرافيا الفرنسي » فريدي فينيه « .
وعليه فأزمة وباء كورونا
يمكن أن تكون فرصة لإعادة النظر في تنظيماتنا وثقافتنا الإجتماعية من خلال المناهج
التربوية والتعليمية، وعلى الرغم من أن إنتشار
الفيروس خارج الصين كان سريعا ولكن إستطاعت الكثير من المجتمعات والدول
الإستعداد والتخطيط له عن طريق تظافر جهود المجتمع المدني وقدراته التنظيمية في
تعبئة المجتمع وتحضيره لمرحلة الأزمة إضافة إلى قوة مؤسسات الدولة وتقاليدها في
العمل كل هدا فوفق رؤية إستراتيجية لإدارة الأزمات.
أما المجتمعات المتخلفة ومنها
بعض المجتمعات العربية كالمجتمع الجزائري الذي لم يكن محضر لمواجهة المخاطر
والأزمات، كما أن الثقافة الإجتماعية للمجتمع الجزائري وسلوكيات أفراده تعرقل من
تطبيق أي إستراتيجية لإدارة الأزمات، ولهذا وجب على هذا النوع من المجتمعات أن
يعيد النظر في كل شئ وخاصة في علاقته بالمعرفة والبحث العلمي، لذلك علينا كمجتمع واعٍ مثقف ومتعاون أن نكون
يداً واحدة مع حكومتنا واتباع ما اتخذته من إجراءات احترازية للحد من انتشار هذا
الوباء، ومعروف على مجتمعاتنا أنها أصعب المجتمعات إنقيادا لما يحمله من صفات الغلظة
والانفة فقلما تجتمع أهوائهم، وحتى تجربتنا لما يسمى المجتمع المدني – والأصل أننا مجتمعات أهلية-كمؤسسة
تتحول من داعم للإستقرار ومساعد في إدارة
الأزمات بنجاح إلى فاعل في إفشال أي إستراتيجية بسبب تداخل الصلاحيات وعدم وضوح
الرؤية في إتخاد القرارات.
فهل يمتلك المجتمع الجزائري عمق ثقافي للتعامل مع المخاطر
والأزمات؟
المجتمعات المتخلفة وغياب استراتيجية إدارة الأزمات:
يعد مفهوم إدارة الأزمات
مفهومًا حديثًا نسبيًّا من حيث تأصيله كفرع من فروع علوم الإدارة والتنظيم، وعليه
يصعب إيجاد مفهوم دقيق فيمكن تعريفها على أنها مجموعة الإجراءات والعمليات من منطلق الأدوات
العلمية المختلفة للتغلب على الأزمة
وتجنُّب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها، كما تتطلب فلسفة إدارة الأزمات أن
يكون هناك إدراك للأزمة والإدراك لا يكون إلا بإمتلاك معلومات دقيقة وفريق من
المختصين للتحليل بطريقة منهجية علمية، كما تشير الباحثة الدكتورة »مرباح مليكة « في كتابها »إستراتيجية إدارة الأزمات
وفعالية التسيير « أنه يجب أن تكون مهمة فريق إدارة الأزمة التنبؤ بالأزمات والمشكلات مع وضع بدائل وخطط مستقبلية
متكاملة وفق أسس علمية ومنهجية قائمة على الدراسات والبحوث العلمية، كما تتوقف كفاءة
فريق العمل في إدارة الأزمات على عدد من العوامل من بينها إدراك حقيقة الأزمة وتوصيفها
بشكل دقيق، ومعرفة أسبابها والإمكانات المطلوبة لمعالجتها، والإمكانيات المتوفرة
والوقت المطلوب لمعالجتها.
تمثل الأزمة
تهديد للكيان في حد ذاته سواء منظمة أو دولة أو مجتمعات بأكملها، وتحتاج الأزمة
إلى منهج للعمل لتفادي الضربات وتحويلها من الخسائر إلى تحقيق عناصر إيجابية
والإستفادة منها، وتنطلق إدارة
المخاطر والأزمات من رؤية إستراتيجية وليس من العشوائية والقرارات الإرتجالية.
من
مؤشرات قياس قوة الدولة قطاعها الصحي، ومن مؤشرات درجة تفشي فيروس كورونا النظام
الصحي ووقدرة مؤسسات الدولة على إدارة المخاطر والأزمات، فلم تكن تعتقد المجتمعات أن الإنتشار من الصين سيكون بهذه القوة فحتى الدول الاوروبية
وجدت نفسها تعاني من نقص في التحضير لمواجهة هدا الفيروس ولكن بدرجات متفاوتة وذلك
بسبب طبيعة النظام الصحي في هده الدول أما كثير من الدول العربية كالجزائر تعيش فشل هيكلي وغياب إستراتيجية لإدارة الأزمات ويبقى
تنظيمها متوقف على ردود أفعال وقرارات إرتجالية على حساب وجود رؤية إستراتيجية شاملة.
وخاصة أن طبيعة الأزمات الحديثة يحتوي على عنصر المفاجأة
بحيث لا يمكن توقعها من حيث المكان والمفاجئة، وعنصر التهديد للحاضر والمستقبل وعنصر
الوقت بحيث أن صانع القرار يكون في وقت ضيق ومحدود، كما أن هذه الأزمات تمثل نقطة
تحول تفرض أفعال وردود أفعال لمواجهة الظروف الطارئة؛ وتتميز بريبة وشك وغموض، كما
يصعب إتخاد القرار في ظل البيئة الغامضة والمفاجئة وتجنب الاخطاء لعدم وجود الوقت لإصلاح
الخطأ.
شكل يوضح عناصر خصائص الأزمة
الشكل من إعداد الباحث
وهناك إتجاه اخر يتعلق بالجانب المجتمعي للأزمات وإدارتها من
خلال دور المؤسسات في إدارة الأزمات ما بين الكفاءة وعدم الكفاءة لتشير إلى
أن للأزمات بأنواعها المختلفة أدوارا كبيرة في تحديد تاريخ ومصير الشعوب والمجتمعات،
وفي الواقع فإن التاريخ يثبت أن المجتمعات والدول التي إعتمدت على رؤية إستراتيجية
وسياسة فعالة مبنية على التفكير العلمي والعمل المنهجي كانت أكثر قدرة على
الإستمرار في الصراع على الوجود من
المجتمعات والدول التي تتعامل مع الأزمات والمخاطر بشعبوية وفوضوية بعيدا عن البحث
العلمي
ومن يحتج أن فيروس كورونا كان مفاجئا للدول تتعامل معه
لأول مرة فحتى الصين تواجه هدا الوباء لاول مرة كباقي الدول ولكن قدراتها التنظيمية
ومنها العلمية وقدرتها على اتخاد القرارات في كل الظروف وفي الوقت المناسب جعلها نموذج
في مجال السيطرة على فيروس خطير مثل كورونا إضافة إلى الحسابات الإستراتيجية لهدا
الوباء وأبعاده الجيوسياسية، فلا يمكن أن تحتج بعض الدول بأن سرعة إنتشار الوباء
لم يعطيها الفرصة للتعامل بطريقة أفضل، لأنه من خلال الملاحظة ندرك أن كثير من
الدول تعاملت مع الوباء بطريقة إستهتارية إضافة إلى ضعف النظام الصحي وغياب
إستراتيجية لإدارة الأزمات وذلك راجع لعدم إدراكها أن أزمة الأوبئة تتعلق بالأمن
الصحي وبالتالي مستوى من مستويات الأمن القومي للدول ولهدا تحتاج للتعامل مثل
حالات كهده وفق مقاربة الأمن الوطني.
وعلية يجب على كثير من المجتمعات والدول وخاصة العربية
أن تستفيد من هذه الأزمة لانها فرصة للتعلم، ويجب أن تعيد النظر في فلسفتها في
التسيير والتنظيم وأن تمتلك المؤسسات الرسمية رؤية إستراتيجية وفلسفة في إدارة
الأزمات فلا يمكن في وقت تتجه فيه المجتمعات والدول إلى العلم والمعرفة، نجد بعض
المجتمعات والدول ومنها العربية تتعامل مع مثل هده الأزمات بطريقة تقليدية وخاصة أن مؤسساتنا تعاني من العديد
من المشكلات فيما يخص قدرتها العامة على الأداء وبالتالي قدرتها على مواجهة
الأزمات التي يمكن أن تواجهها.
كما يجب على
المجتمعات العربية وخاصة مثقفيها أن يكونو أكثر وعي وإدراك لحجم المسؤولية اتجاه
أوطانهم وعدم التعامل مع المخاطر والأزمات مرة أخرة بفوضوية وبثقافة القطيع
والتفكير الرعائي.
0 تعليقات