درس التجربة والتجريب
- المادة: مادة الفلسفة
- الفئة المستهدفة: الثانية بكالوريا
- المجزوءة الثانية: مجزوءة المعرفة
- المفهوم الأول: مفهوم النظرية
- المحور الأول: محور التجربة والتجريب
محاور درس التجربة والتجريب:
- التأطير الاشكالي
- أولا: التجربة والتجربة ودورهما في بناء المعرفة العلمية
- ثانيا: المنهج التجريبي
- ثالثا: أهمية العقل والخيال
- خلاصة تركيبية
تحميل الدرس PDF
التأطير الإشكالي لدرس التجربة والتجريب:
مما لا شك فيه أن العلم لا يعد علما إلا إذا استوفى مجموعة من الشروط، من بينها قدرته على تنظيم معارفه مفاهيمه ونتائج بحثه عن طريق إنشاء نظريات علمية. فالنظرية عبرة عن بناء فرضي استنباطي، على قدر كبير من المعقولية والصلاحية، يهدف إلى تقديم تفسيرات عامة لوقائع الطبيعة وظواهرها. غير أن هذا التحديد ليس بالبسيط والبديهي، فهو يضعنا أمام جملة من الإشكالات والمفارقات الفلسفية، من بينها علاقة النظرية بكلل من التجربة والواقع التجريبي، ودورهما في بناء النظريات العلمية، ويزداد الأمر صعوبة حين نعلم أن التجربة تحمل معنين، فهي تعني من جهة التجربة الحسية القائمة على الحواس والملاحظة العامية، وتعني من جهة ثانية التجريب بما هو استنطاق منهجي للطبيعة. ومنه يمكن أن نتساءل:
ما دور كل من التجربة والتجريب في بناء النظريات العلمية؟ هل يستند بناء النظريات العلمية إلى التجربة الخام القائمة على الحواس أم يستند إلى التجربة بمعنى التجريب بما هو استنطاق للطبيعة؟ وهل القول بأهمية التجربة في العلم نفي لأهمية العقل؟
أولا: التجربة والتجريب ودورهما في بناء العرفة العلمية.
لتحديد أهمية ودور كل من التجربة والتجريب في بناء المعرفة العلمية يمكن الوقوف عند موقف الرياضي والفيلسوف ومؤرخ العلوم ألكسندر كويري (1892-1964). ففي كتابه "دراسات غاليلية" ذهب ألكسندر كويري إلى انتقاد التجربة الخام، وإلى إبراز أهمية التجريب. فالتجربة بمعنى التجربة الخام، أي التجربة القائمة على الملاحظة العامية والتجربة الحسية، والخبرة الذاتية، لم تلعب اي دور في تقدم العلم، أكثر من ذلك فقد لعبت دور العائق. وبالتالي فالعلم الكلاسيكي تقدم ليس بفضل التجربة الخام والملاحظة العامية لظواهر الطبيعة، وإنما بفضل التجريب، الذي يحيل على المساءلة المنهجية للطبيعة.
والمثال الذي يمكن أن نقدمه لكي نوضح كيف أن التجربة القائمة على الحواس والملاحظة العامية، لم تلعب إلا دور العائق، هو مسألة مركزية الشمس، فقد كان يُعتقد أن الأرض ثابتة ومسطحة، وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض، وسبب هذا الاعتقاد الباطل، هو أن الإنسان في ما مضى، كان يعتمد فقط على حواسه فقط، وعلى الملاحظة البصرية، من أجل فهم ومعرفة ظواهر الطبيعة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو كيف يمكن بناء معرفة علمية اعتمادا على التجريب؟
ثانيا: المنهج التجريبي
لقد شكل المنهج التجريبي قطيعة مع التجربة القائمة على الحواس والملاحظة العامية، التي كانت سببا في بناء معرفة خاطئة عن الطبيعة وظواهرها. إذ أصبح بإمكان العلماء من خلال التجريبي استنطاق الطبيعة وإرغامها على البوح بأسرارها (قوانينها). وهنا، يمكن أن نقدم مثلا للمنهج التجريبي الذي صاغه الفيزيولوجيا الفرنسي كلود برنار (1813-1978)، والذي يتشكل من أربع خطوات: الملاحظة، الفرضية، التجربة، استنتاج القانون، وهذا الجدول يوضح ذلك:
الخطوة
|
دلالتها
|
مثال
|
الملاحظة
|
ملاحظة واقعة طبيعية، تنتج سؤالا.
والملاحظة يجب أن تكون بدون أحكام مسبقة.
|
ملاحة أن لون بول الأرانب صاف وحمضي،
يشبه لون بول الحيوانات اللاحمة.
|
الفرضية
|
إجابة مؤقتة عن السؤال المطروح، قد
تكون صحيحة وقد تكون خاطئة. ويفترض فيها لتكون علمية أن تكون قابلة للتحقق منها
|
إذا بقيت الأرانب مدة بغير طعام تأكل
من الاحتياطي الموجود في دمها
|
التجربة
|
بمعنى التجريب، للتأكد من صدق أو خطأ
الفرضية
|
منع عن الارانب العشب، فتحول لون
بولها إلى بول صاف وحمضي. وأعطاها مرة أخرى العشب فتحول بولها إلى بول مكدر وغير
حمضي. وقام بنفس التجربة على الخيول ليقوم بالتعميم على كل الحيوانات العاشبة
|
استنتاج القانون
|
استنتاج قانون، أي كشف العلاقة
الثابتة بين متغيرين أو أكثر
|
كلما أمسكت الأرانب – والحيوانات
العاشبة عامة- عن الأكل تغذت من دمها،
فيصبح بولها بولا صافيا وحمضيا.
|
وفي السياق نفسه، سياقه حديثه عن النظرية العلمية، يؤكد كلود برنار على أهمية الوقائع التجريبية، رغم تأكيده على دور الفرض العقلي لتوجيه البحث العلمي، فالتجربة هي المحك لصحة فرض أو خطئه، يقول برنارد: "إن النظرية ليست شيئا آخر عدا الفكرة العلمية المراقبة من طرف التجربة". وهنا تتضح لنا النزعة التجريبية للعالم الفرنسي كلود برنار
لكن هل القول بأهمية التجريب ضرب في دور العقل والتأطيرات النظرية في بناء المعرفة العلمية؟
ثالثا: دور العقل والخيال في المعرفة العلمية
إن للتجربة بمعنى التجريب دور أساسي في بناء المعرفة العلمية، لكن الملاحظ للساحة العلمية في المرحلة المعاصرة سيجد بأن التجربة لا تستطيع لوحدها بناء معرفة علمية، خاصة حين يتعلق الأمر بظواهر فيزيائية لا يمكن التجريب عليها، أي لا يمكن إخضاعها للمنهج التجريبي، هذه الظواهر هي الظواهر الميكرو فيزيائية (مثل الذرة) والظواهر الماكرو فيزيائية (مثل الكون). هذه الخلاصة جعلت الكثير من الفلاسفة والعلماء ينفتحون على العقل والخيال والتأطيرات النظرية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العالم الرياضي روني طوم.
- لم ينف العالم الرياضي الفرنسي أهمية التجريب، ولقد حدد له أربع خطوات:
1) يتم عزل مجال مكاني – زماني هو "المختبر"، وقد تكون حدوده واقعية أو خيالية.
2) يملأ هذا المجال بمواد مختلفة: مواد كيميائية، كائنات حية..
3) يتم إحداث خلل في المنظومة المدروسة عن طريق التأثير فيها بمؤثرات مادية أو طاقية.
4) تسجل إجابات المنظومة بواسطة أجهزة.
لكن روني طوم يشترط شرطين لكي تكون الواقعة التجريبية واقعة علمية: الأول أن تكون قابلة لإعادة إجرائها، والثاني، أن تكون لها قيمة وفائدة سواء على المستوى التطبيقي العملي أو على المستوى النظري.
إضافة إلى ذلك، فقد ذهب روني طوم إلى القول بأن التجريب العلمي لا يشكل مقوما وحيدا في تفسير الظواهر، بل لابد من اعتبار عنصر الخيال وإدماجه في عملية التجريب، باعتبار أن الخيال تجربة ذهنية تغني الواقع التجريبي. وفي هذا السياق يقول روني طوم: "إن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما.. ولا يكن له ليكون علميا وذا مغزى، أن يستغني عن التفكير، والتفكير عملية صعبة تفلت من كل رتابة ومن كل منهج". وليؤكد على أهمية البناء النظري، وعلى أهمية العقل والخيال، يقف روني طوم عند مرحلة من مراحل التجريب وهي صياغة الفرضية، حيث لا يمكن الحديث عن فرضية علمية إلا بوجود شكل من أشكال النظرية.
خلاصة تركيبية لدرس التجربة والتجريب:
في معالجتنا لإشكال دور كل من المعطيات الحسية والتأطيرات النظرية في بناء المعرفة العلمية يمكن استنتاج ما يلي:
- أن التجربة بمعنى التجريب تلعب دورا في تقدم العلم وفي بناء نظرياته، وذلك من خلال مساءلة الطبيعة واستنطاقها وإرغامها على البوح بأسرارها
- أن التجربة بمعنى التجريب تلعب دورا في تقدم العلم وفي بناء نظرياته، وذلك من خلال مساءلة الطبيعة واستنطاقها وإرغامها على البوح بأسرارها
- أن القول بأهمية التجربة لا ينفي أهمية العقل والخيال في العلم، ذلك أن الخيال يمنح العمل مجال أرحب، ويمنحه إمكانية تجاوز العالم التجريبي عن طريق الاستنباط والاستدلال العقلي.
سؤال تقويمي: كيف يمكن أن يتحقق الفهم العلمي لفيروس كورونا ؟
شارك المقال لتنفع به غيرك
0 تعليقات