- المادة: مادة الفلسفة
- الفئة المستهدفة: تلاميذ الجذوع المشتركة
- المجزوءة: مجزوءة الفلسفة
- المحور الأول: محور نشأة الفلسفة
أولا: الإطار الزماني والمكاني لنشأة الفلسفة
يذهب مجموعة من مؤرخي الفلسفية، إلى أن نشأة الفلسفة كانت ببلاد اليوناني خلال القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، وذلك لتظافر مجموعة من الشروط والعوامل نذكر من بينها:
الموقع الاستراتيجي لبلاد اليونان
لبلاد اليونان موقعا استراتيجيا، فبلاد اليونان تطل على البحر المتوسط الذي يلقب بمهد الحضارات، والذي كان موطن مجموعة من الحضارات من قبيل الحضارة المصرية و الحضارة الهيلينية والحضارة الرومانية.
إضافة إلى ذلك فقد كانت بلاد اليونان مجاورة لمجموعة من البلدان (كآسيا الصغرى وجزيرة كريت العظيمة) التي كانت مزدهرة من حيث التجارة والصناعة والفكر والحضارة، وهو ما أثر إيجابيا في بلاد اليونان.
زيادة على ذلك، كانت بلاد اليونان تتضمن مدينة من أعظم المدن حينئذ، وهي مدينة أثينا، هذه المدينة التي كانت تحتل موقعا استراتيجيا، فقد كانت تمثل البوابة التي كان اليونانيون يعبرون من خلالها إلى مدن آسيا الصغرى، ويعبر من خلالها سكان آسيا الصغرى إلى المدن اليونانية. وبهذا كانت مدينة أثينا اليونانية أرضا لتلاقح الحضارات والثقافات، وأرضا للفكر والنقاش والجدال والحجاج... ولذلك كانت أرضا خصبة لنشأة الفكر الفلسفي.
العوامل الطبيعية الجغرافية
تتشكل بلاد اليونان من السواحل والمرتفعات من جبال وهضاب، وهو ما شكل عائقا أمام المواصلات، فقد فصلت تلك الحواجز بلاد اليونان وقسمتها إلى ما يشبه دويلات. هذا التقسيم كان له أثر إيجابي، من حيث أنه جعل كل مدنية يونانية تكتفي اقتصاديا بذاتها، وجعلها تستقل من حيث الحكومة والدين والنظام السياسي ونمط العيش والحضارة... كل ذلك جعل بلاد اليونان تعرف غنا وازدهارا ثقافيا وحضاريا وفكريا.
العامل السياسي المدني:
ساهم ظهور المدينة في نشأة الفكر الفلسفة وبداية التفلسف، ففي المدينة صارت القضايا المشتركة بين الناس لا يمكن الحسم فيها إلا بعد نقاش وسجال علني، مدعم ببراهين وحجج. والنموذج هو الساحة العمومية التي كانت تسمى بالأغورا AGORA، والتي شكلت حينئذ مركزا إداريا ودينيا وتجاريا في الدولة المدينة، وكانت تتخذ فيها القرارات الأساسية في المجتمع الإغريقي القديم. لكن ذلك لم يكن ليحصل لولا النظام السياسي الذي كان سائدا حينئذ وهو النظام السياسي الديموقراطي، الذي لم يكن يتأسس على مهو إلهي أو وراثي أول أسري، وإنما على ثقة وتفويض مجموع المواطنين. وقد كان النظام السياسي الديموقراطي يسمح للمواطنين اليونانيين إبداء آرائهم في مختلف القضايا، سواء السياسية أو الدينية أو الفكرية... وهذا ما ساهم في خلق جو من النقاش والحوار القائمين على الحجة والبرهان والدليل.
استنتاج:
لم تكن نشأة الفلسفة ببلاد اليونان معجزة، بل ساهمت في ذاك مجموعة من العوامل والشروط، منها ما هو جغرافي طبيعي، ومنها ما هو استراتيجي، ومنها ما هو سياسي مدني... وقد ساهمت كل تلك العوامل في إغناء وإثراء بلاد اليونان خاصة على مستوى الفكر والثقافة، كما ساهمت في خلق جو من النقاش والحوار العقلاني القائم على الحجة والبرهان... كل ذلك ساهم في نشأة الفلسفة والفكر الفلسفي
ثانيا: فعل نشأة الفلسفة
الانتقال من التفكير الأسطوري إلى التفكير الفلسفي
قبل ظهور الفكر الفلسفي، كان تفكير اليونانيين تفكيرا أسطوريا، حيث كان الإنسان اليوناني يفسر الكون ومختلف ظواهره، انطلاقا تصورات خيالية يغيب فيها الاستدلال المنطقي والحجج العقلية. فالأسطورة عبارة عن حكاية أو قصة خيالية ، تحكي عن نشأة الآلهة وعن أعمالهم وصراعاتهم ومناطق نفوذهم... ويمكن أن نعود لأسطورة نشأة الكون ليتوضح لنا ذلك.
ويمكن لتوضيح الاختلاف بين مجال الأسطورة ومجال الفلسفة الاشتغال على نص جون بيير فرنان
الاشتغال على نص جون بيير فرنان
تعريف جون بيير فرنان:
مؤرخ فرنسي معاصر، اهتم بالفكر الفلسفي اليونان بأصوله. من مؤلفاته: "أصول الفلسفة الإغريقية"، "الأسطورة والفكر هند الإغريق".
المفاهيم الأساسية للنص:
الميثوس Mythos: كلمة يونانية تعني الأسطورة، وهي مجموعة من الاعتقادات والتصورات والحكايات والقصص الخيالية للإنسان حول ذاته والطبيعة والكون. كقولنا مثلا: المطر هو دموع الآلهة.
اللوغوس logos : كلمة يونانية تعني الخطاب بما هو قول منظم ومتماسك. وتعني المبدأ والعقل والعلم. واللوغوس يأتي في مقابل الميتوس.
الشروط: مجموع مكونات الحضارة اليونانية القديمة، الثقافية منها والسياسية والاقتصادية، التي ساهمت في نشأة الفلسفة.
الأنطولوجيا: هي علم الوجود أو مبحث الوجود الذي يهتم بدراسة الوجود وإشكالاته.
الإستدلال: قول منطقي يعتمده الفيلسوف والعالم لإثبات فكرة ما أو إقرار نتيجة معينة.
البرهان: قول ينبني على مقدمات يقينية، من خلالها يصل إلى نتيجة متضمنة في المقدمات.
التمييز بين مجال الأسطورة ومجال الفلسفة
مجال الأسطورة | مجال الفلسفة |
الميثوس التقليد الشفوي الكلام المحاجة الباغية الحكي والسرد القوى الإلهية التي تحكي الأسطورة مغامراتها الدرامية التوجه نحو اللذة والتأثير في المستمع بطريقة سحرية | اللوغوس الأدب المكتوب تنظيم دقيق للمادة المفاهيمية تجريد المفاهيم الدقة في الاستدلال الطرق البرهانية الاستنتاجات الرياضية معقولية برهانية البرهان القائم على الحجة يتوجه إلى الفكر النقدي لدى القارئ |
استنتاج:
هكذا نستنتج أن الفكر اليوناني ، قد انتقلت من فكر أسطوري قائم على الحكي والسرد والتقليد الشفوي والمحاجة البلاغية، إلى فكر فلسفي قائم على الدقة في الاستدلال وعلى البرهان على الحجج وعلى الخطاب المكتوب. وقد كان ذلك بفضل الأحداث التاريخية والعوامل السياسية والثقافية والطبيعية التي أشرنا إليها سابقا.
بداية فعل التفلسف
الاشتغال على نص فريديرك نيتشه
التعريف بالفيلسوف:
فريدريك نيتشه فيلسوف ألماني عاش بين سنتي 1844 و1900م، أي خلال القرن 19. تناولت فلسفته مجموعة من القضايا كالأخلاق والدين واللغة. من مؤلفاته: " إرادة القوة "، " جينيالوجيا الأخلاق "، "ما وراء الخير و الشر".
مفاهيم وأعلام النص:
طاليس: فيلسوف عالم يوناني، وواحد من الحكماء السبعة ومن رواد المدرسة الملطية/الأيونية، عاش خلال القرن السادس قبل الميلاد بين سنتي 640 و 562 ق.م. وقد عرف بقوله : الماء أصل كل الأشياء.
الأصل: هو الأساس الكامن وراء الظواهر. نقول مثلا أصل الرطوبة هو الماء.
المسلمة: قضية يضعها العالم أو الفيلسوف ويسلم بحقيقتها دون برهان، وتكون هي أساس البرهان. والمثال في النص هو مسلمة طاليس الماء أصل كل الأشياء.
الكل واحد: أي أن التعدد الحاصل في الكون (الإنسان، الحيوانات، الجبال، النباتات...) أصله واحد، وهذا الأصل حسب طاليس هو الماء
الفرضية: فكرة مؤقتة يفترضها العالم ليفسر بها حوادث الطبيعة، وتصير قانونا إذا أثبتت التجربة صدقها.
الحدس: كل معرفة مباشرة وفورية دون وسائط، أي دون تجربة ودون برهان. والمثال في النص هو فكرة أن الماء أصل كل الأشياء، والتي توصل إليها طاليس عبر حدس فلسفي أي بدون برهان وبدون تجربة.
سؤال النص
- لماذا يعتبر نيتشه طاليس أول فيلسوف يوناني؟
- بم ارتبطت نشأة الفلسفة اليونانية؟
الفكرة العامة للنص:
يؤكد نيتشه أن الفلسفة اليونانية ابتدأت بمسلمة طاليس "الماء أصل كل الأشياء،"، والتي توصل إليها عبر حدس فلسفي، وبموجب هذه المسلمة اعتبر نيتشه طاليس أول فيلسوف يوناني، لأنها تتضمن مبدأ الكل واحد.
تحليل النص من خلال أفكاره الأساسية:
1 - أكد نيتشه أن الفلسفة اليونانية تبدأ بمسلمة طاليس الماء أصل كل الأشياء
2 – توصل طاليس إلى مسلمته عبر حدس فلسفي
3 – تستحق مسلمة أن تؤخذ بعين الاعتبار لثلاثة أسباب وهو ما سنوضحه عبر الجدول الآتي:
وضع طاليس | السبب | التعليل |
واحد من المفكرين الدينيين والخرافيين | لأن مستلمته تتناول بطريقة ما أصل الأشياء | لأن التفكير الديني والخرافي يتناول أصل الأشياء |
واحد من علماء الطبيعة | لأن مسلمته تتناول أصل الأشياء بدون صور وبمعزل عن السرد الخيالي | لأن العلم يتناول أصل الأشياء بدون صور بمعزل عن السرد الخيالي |
أول فيلسوف يوناني | لأن مسلمته تتضمن ولو بشكل أولي فكرة أن الكل واحد | لأن التفكير الفلسفي يتناول أصل الأشياء اعتمادا على مبدأ الكل واحد |
استنتاج
بعد تحليلنا للنص، يتبين لنا أن طاليس يعتبر أول فيلسوف يوناني من وجهة نظر الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه. والذي جعل نيتشه يعتبر طاليس أول فيلسوف؛ هو مسلمة طاليس القائلة بأن: "الماء أصل كل الأشياء"، فهذه المسلمة تتناول أصل الأشياء انطلاقا من مبدأ الكل الواحد، وبالتالي فالذي جعله أول فيلسوف ليس هو قوله بعنصر الماء، وإنما إرجاعه الكثرة والتعدد الموجود في الكون إلى مبدأ واحد. وبهذا تكون نشأة الفلسفة الزمانية قد ارتبط بالقرن السادس قبل الميلاد
0 تعليقات